
الراصد : لا يمكن لأي موريتاني أن يزور أي قطاع وزاري، إلا وجد بصمة بشرية واضحة لمجموعة عرقية، أو قبلية، خاصة، لأن رجلا من أبناء العشيرة مرة من هنا ذات مرة، ووزع المناصب والتعيينات بزبونية عشائرية..
وقد بدأت عملية "البذر العشائري" في القطاعات الوزارية من فترة طويلة حتى أصبحت هذه الظاهرة بارزة للعيان.
في البداية كان التمثيل العرقي واضحا في مفاصل الدولة، فكانت أغلبية الموظفين الموريتانيين من فئة اجتماعية معينة، بل كانت هذه المجموعة تحتكر بفعل تكوينها المفرنس، زيادة على غياب مسابقات التوظيف مختلف القطاعات السيادية، وكانت تتقاسم بشكل واضح المؤسسة العسكرية مع الفئات المجتمعية الأخرى، كما كانت الفئة الأهم داخل مؤسستي الشرطة والحرس والجمارك
ثم بعد ذلك أخذ التلوين الوظيفي طابعا عشائريا، وينسب إلى أحد كبار الوزراء السابقين امتنانه على مجموعته بأنه منذ أن وصل إلى منصبه لم " يصعد إلى هذه الوزارة رجل ولا امرأة من غيركم"
يمكن أن تنظر إلى شركات كبرى بعينها، لتجد أن 50% من موظفيها هم من أبناء قبيلة واحدة، ومن النوادر التي تحكى في هذا المجال أن ضابطا كبيرا عينته الدولة على شركة خدمية مهمة، فحولها إلى مرعى قبلي، وبعد سنة نظر إلى أقاربه الذين وظفهم، فأما الذين استطاعوا في فترة وجيزة تحسين حالتهم المادية، مستفيدين من الفرص المفتوحة أمامهم، فقد هنأهم، وأما الأمناء الصابرون على الراتب فقد نظر إليهم بغضب ومقتهم، وهددهم بالإقالة.
وهكذا دواليك يكون تعيين المسؤول فرصة له لكي يصنع قاعدة انتخابية، أو يعيد تشكيل الخارطة المجتمعية في قبيلته أو في مقاطعت من خلال التوظيف والإقالة والصفقات.
وطبعا يمكن لهؤلاء أن يجلسوا بعد ذلك على العالي من مرافئ الذاكرة، ليتحدثوا عن إنجازاتهم التي قد يكون منها في بعض الأحيان إغراق مؤسسات ضعيفة وهشة بوفود قبلية تحصل على رواتب دون أي مقابل، وطرد عشرات إن لم يكن مئات الموظفين بسبب عدم الرضى عن سلاسلهم البيولوجية.
بل قد يصل الأمر إلى حد الاستقواء بالمنصب لإقالة معلم من منصبه، أو قطع الماء عن أدباي أو اكصر أودار لأنه لم يصوت لخيارات المسؤول القبلي.
إن تحويل الوزارات والمؤسسات والقطاعات الخدمية إلى منتجعات قبلية أو عرقية أو فئوية يفني ولا يغني ويدمر ولا يعمر، ويثير من الأزمات أكثر مما يوفر من الحدود، ويحول البطالة من أزمة قابلة للحل، إلى إرهاب وظيفي من خلال تشغيل من لا يملك كفاءة ولا يستحق ترقية، والدفع بالمستحقين والأكفاء إلى الشارع أو الهجرة.
وللأسف الشديد فإن هذه الظاهرة، لم تتقلص بل تعززت وتطورت، ووجدت من خلال تعيينات مجلس الوزراء، بل وتشكيل الحكومات التي شرعنت التعيينات ذات البعد القبلي، والتعويض العرقي والقبلي..
إن بقاء الموظف في وظيفته لم يعد يبنى على الجدارة بل في كثير من الأحيان من خلال المسءول الرفيع في قبيلته..
فهل خفي على محكمة الحسابات أهمية تجمبع البيانات الخاصة بالموظف وعلى أي أساس تم اختياره، وهل هو مناسب للوظيفة التي عهد له بها، ويكون الأمر ضروريا إذا علمنا أن البعض ينتقل من الشارع والفشل الدراسي لكرسي الوظيفة على حساب الكفاءات و أصحاب الشهادات لسبب بسيط، هو أنه صاحب حظوة عند أحد النافذين..
حاجة البلد اليوم إلى البحث عن الكفاءات وتمكينهم من الوصول إلى المناصب، وتسليمهم من الصلاحيات والقدرات والوسائل ما يحققون به نهضة البلد المنشودة، أما الاستمرار في تعيين الفاشلين، وتحويل الوزارات والقطاعات والمشاريع إلى مضارب قبلية، فقد حصدنا نتيجته وآن لها أن نتوقف عن البناء فوق البحرالهائج..
عن موقع الفكر
