
الراصد : يُدار الوضع القائم بمنهجية تسعى إلى المحافظة عليه، بدل الدفع نحو الوضع المنشود الذي يتطلّع إليه البلد. تُستخدم في ذلك وسائل متعددة، بعضها معروف ومبرّر، وبعضها الآخر يتم في الخفاء، ضمن دوائر الكتمان.
هذا المسار السري خُصص لاستغلال النخب وتوظيفها لخدمة أهداف النظام العليا. وقد نجح هذا المسار في اختراق صفوف المعارضة، لا سيّما في مستوياتها القيادية، مما أحدث خللاً في توازن بنية النظام الديمقراطي ذاته.
تمت السيطرة – عن بعد وأحيانًا عن قرب – على غالبية نشطاء العمل السياسي، عبر شعار التهدئة والانفتاح. فانخرطت أحزاب وشخصيات قيادية ومستقلة ضمن دائرة الفريق الحاكم، مما أدى إلى طيّ صفحة من الديمقراطية التي كانت تقوم على معادلة "الموالاة والمعارضة".
استخدم النظام، بقوة وكثافة، كل أوراقه المشروعة وغير المشروعة لإحكام قبضته على المشهد السياسي. ونجح في تحييد أو شلّ أخطر خصومه، كما بثّ الشك والريبة في آخرين، بعضهم لم يقع في الفخ، وآخرون استُخدموا كأمل وهمي للمتمردين، في حين كانوا جزءًا من هندسة اللعبة السياسية المحكمة، الموثّقة بالصوت والصورة، والتي أوقعت أغلب القادة والتشكيلات.
إن صناعة نظام تحكم ديمقراطي في بلد لا يمتلك تقاليد راسخة في المواطنة، ولا احترامًا راسخًا للقانون، ولا تقدّم فيه مصلحة الوطن على الأفراد، تُعدّ أخطر إنجاز للفكر المتحكم اليوم.
أما توظيف الأشخاص لاختراق من تبقى من الصامدين والممانعين، فهو عمل محفوف جمعةبالمجازفة، يهدد المشروع برمته. ولا يقلّ عنه خطورةً سوى التعلق المرضي بالسلطة، دون الاستعداد للخيانة من الداخل، أو للمخاطر من الخارج، القريب منها والبعيد.