
الراصد: ما ذا لو قامت الدولة بإعادة برمجة وزارة التربية وإصلاح نظام التعليم قبل الافتتاح الدراسي برد المظالم إلى ذويها وفتح مجال التحويل بين مختلف الولايات لإعطاء المدرسين الميدانيين نفسا جديدا وحماسا يخول لهم مسايرة العمل بقوة.
أم أن الإدارة تعني الصلابة على الاعوجاج والمعاملة بمقضى النقيض؟
حينما نقتري ثقافات الشعوب من العصر الجاهلي إلى اليوم نجد النفس البشرية بطبيعتها نفورة كل النفور من السآمة والملل وذلك ما نجده جليا في شعر زهير بن أبي سلمى الذي سئم حتى من الحياة:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
ثمانين حولا لا أبا لك يسأم.
وفي حديث أبي وائل شقيق بن سلمة -رحمه الله- قال: كان ابن مسعود يذكِّرنا في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، فقال: "أمَا إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُمِلَّكم، وإني أتخولكم بالموعظة، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا"، متفق عليه.
فمن الوجيه بمنطق أرباب التجارب والعقول أن يطالب مدرس بالتحويل بعد مكابد التدريس في فصول متهالكة تعاني من اكتظاظ الطلاب المتواضعة مستوياتهم برهة من الزمن لا يشفع له ازدياد الطاقم التدريسي في مكان عمله ولم تشفع له الاكتتابات المتتالية اللاحقة عليه من المقاطعيين والعقدويين وغيرها.
إنها استراتيجية وزارة التربية التي نفرت الأجيال التربوية بفظاظتها وغلظ حاشيتها فلم يكلوا الأمر لبارئ القوس ولم يستحسنوا ما نسج حبيب بن أوس:
نقل فؤادك ما استطعت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يالفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل.
يحكى أن الحكومة السنغالية شددت ذات مرة على اللصوص في سجن "ربس" معاقبة غذائية حيث جعلوا عشاءهم كل ليلة "باتشيشه"؛ فملوا مللا وتظاهروا من أجل تغيير الوجبة حتى صاروا يتطلعون فيسألون الحارس الرابعة ظهرا عن العشاء هل هو "اتشيشه"؟
إن وزارة التربية التي تحاصر النزع في أقصى نقطة من مهامه الوطن بدعوى حرصها على القانون هي نفس الوزارة التي لا تعرف لها مسابقة لاختيار رئيس قسم أو رئيس مصلحة داخل الوزارة.
لقد كان العلامة مولود بن أحمد الجواد ملهما حين قال في خاتمة "قصيدة أسماء الله الحسنى":
إلهي بسكنى أرضنا جد لنا فلا نزور ديارا ما نحب بها مغنى
وعجل لنا من فيض جودك وابلا يغادر سرا من مواضعنا الوعنا
بخير النبيئين الذي كان إذ دنا دنو اصطفاء قاب قوسين أو أدنى.