حياة جديدة… حيّ بلا حياة...

أحد, 09/11/2025 - 22:17

الراصد : قصة صحفية

بقلم : محمدعبدالرحمن ول عبدالله

كاتب ،صحفي ، انواكشوط

في الصباح الباكر، حين تبدأ شمس نواكشوط في التمدد فوق رمال العاصمة، تستيقظ منطقة حياة جديدة على نفس المشهد الذي لم يتغير منذ سنوات: بيوت من الزنك والصفيح، أزقة ضيقة تتقاطع بعشوائية، ووجوه أنهكها الفقر حتى صار جزءا من ملامحها.

ورغم أن اسم الحي يوحي بالأمل والانطلاق، إلا أن الواقع فيه يروي حكاية حياة قديمة من البؤس، تتكرر كل يوم كأن الزمن توقف عند أول يوم سكن فيه الناس هنا.

الطفلة مريم: المدرسة التي تبعد حلما

على طرف الحي، تجلس مريم البالغة من العمر 11 عاما، تحلّق بعينيها في الطريق الترابي الممتد نحو مدرسة تبعد كيلومتر
تقول بصوت خافت:
“كنت نقرأ… لكن لم اعد بمقدور الذهاب الي المدرسة فهي بعيدة من سكننا  الطريق خطر وموحش .

تعيش مريم مع أمها وأشقائها الأربعة في غرفة واحدة.
الأم تعمل غسّالة في البيوت، بلا ضمان ولا دخل ثابت.
تقول:
“المدرسة مهمة… لكن حتى لقمة العيش ما زلنا نبحث عنها كل يوم.”

هكذا يتحول حق التعليم إلى رفاهية في حيّ صُمّم ليكون سكنا مؤقتا، فتحول إلى ثقل دائم فوق صدور ساكنيه.

بئر بلا ماء… وماء بلا نظافة

على بعد أمتار، يقف الشيخ با “صاحب العشرين سنة من التعب”، كما يسمي نفسه مازحا، أمام بئر ترابي مشقوق.
يقول والعرق يتسلل من جبينه:
“كانت عندنا حنفية عمومية، تعطلت من عام. والبلدية ما جات. وهذا البير نستخدمو، والماء ما هو صالح… لكنه هو اللي عندنا.”

تتسبب المياه الملوثة في أمراض معوية وجلدية، ومع ذلك لا بديل.
فالحي خارج تغطية شبكة المياه، وخارج خريطة الجهات المعنية أصلا.واحيانا تقوم بعض الجمعيات الخيرية بتوفير كميات محدودة من مياه الشرب ولكنها لاتسع الجميع،ولبست مستدامة.

الظلام الذي يبتلع الليالي

مع حلول المساء، يغرق حياة جديدة في ظلام كامل.
لا أعمدة إنارة، ولا كهرباء منتظمة.
البيوت تعتمد على أسلاك متهالكة تمتد فوق الرمال، تسرق الكهرباء من مصدر مجهول، وتنتج حرائق مفاجئة.

يقول إسماعيل، أحد سكان الحي:
“كل أسبوع نسمع عن بيت احترق. بسبب التمديدات الكهربائية العشوائية.. كأننا نعيش في عالم أخر!  داخل العاصمة.”

عائلات على حافة الجوع

في منزل آخر، تجلس السيدة فاطمة مع أطفالها الثلاثة حول قدر صغير من الأرز.
تشرح وهي تحاول توزيع الوجبة القليلة:
“لا نعرف كيف نواجه الصيف وأيام العطش،التنقل الي قلب العاصمة يكلف الكثير من المال يوميا وشهريا كما نه أنه لاتوجد فرص عمل للبقاء هنا،. الأسعار مرتعة. والرجال أكثرهم عاطلين .”

الفقر هنا ليس حالة عابرة؛ إنه أسلوب حياة تفروضه بالقوة.الظروف العامة.
عائلات بلا عمل ثابت، بلا دعم حكومي، بلا قدرة على مواجهة أسعار الغذاء التي ترتفع كل أسبوع تقريبا.

حيّ بلا وثائق… بلا خدمات… بلا صوت

أغلب ساكني حياة جديدة جاؤوا من  بعض الأحياء العشوائية وهم في الأصل نازحون من الداخل فيما يشبه رحلة نزوح من الفقر وإليه! بسبب  كوارث الجفاف والفيضانات، أو ندرة  فرص عمل لم تتحقق.
الكثير منهم لا يملك أوراقا عقارية، وبعضهم لا يملك حتى وثائق مدنية مكتملة، ما يعني أنهم غير مرئيين بالنسبة للدولة.
بعضهم غير موجودين في قاعدة البيانات الرسمية.
غير موجودين في خطط الدعم.يعتبر هذا الحي من أفقر أحياء انواكشوط حتي الأن.غير أنه قد يفقد اللقب قريبا نتيجة الإمكانيات الواسعة لظهور أحياء اخري منافسة له في الفقر والبؤس!!

يقول أحد الشيوخ:
“نحنا ما نطلبو قصور… نطلبو شربة ماء، طريق، كهرباء، ومدرسة لأبنائنا.” ونطلب توفير الأمن لنا فنحن نعيش في منطقة شبه معزولة.

سؤال معلّق في الهواء

يمتد الحي على أطراف نواكشوط، بين الصحراء والمدينة، لكنه لا ينتمي لأي منهما.
كأنه منطقة معزولة عن الزمن، تنتظر الترحيل منذ عشرين سنة، وتنتظر التنمية منذ أربعين.

ورغم وعود السياسيين في كل موسم انتخابي، تظل حياة جديدة كأنها خارج دائرة الاهتمام، لا تستفيد من برامج السكن، ولا من شبكات الماء، ولا من دعم الفقراء.

يبقى السؤال الذي يتردد على ألسنة السكان:
“هل نحتاج إلى اسم جديد… أم حياة جديدة فعلا؟”