الولاء المصطنع...

سبت, 08/11/2025 - 17:39
 محمد عبد الرحمن ولد عبد الله/كاتب صحفي

الراصد : في بلد يعيش على حافة براكين إقليمية، يصبح الخطأ في ترتيب الأولويات نوعًا من المغامرة السياسية. وما حدث خلال زيارة الرئيس محمد الشيخ الغزواني لمدينة النعمة، من احتفالات مبالغ فيها ومظاهر ولاء مصطنع، يؤكد أن الدولة ما زالت تتصرف بمنطق الماضي، وكأنها في جزيرة معزولة عن نيران مالي المشتعلة على مرمى حجر.

الشرق الموريتاني اليوم ليس هامشًا جغرافيًا، بل خط الدفاع الأول عن البلاد. وحدات الجيش المرابطة هناك تقف في مواجهة واقع معقد لا يحتاج إلى خطابات، بل إلى حضور سياسي صادق من رأس الدولة. زيارة واحدة للرئيس إلى تلك الوحدات كانت ستكفي لإرسال رسائل قوية، داخليًا وخارجيًا: رفع معنويات الجنود الذين يخدمون في ظروف قاسية، طمأنة السكان الذين يعيشون في حالة قلق دائم، وإظهار أن موريتانيا مدركة حجم الخطر الذي يقترب من بوابتها الشرقية.

لكن بدل ذلك، فُضّل الاستثمار في الحشود والمظاهر والديكور السياسي. وبدت مدينة النعمة وكأنها تُهيّأ لعرض مسرحي، لا لزيارة رئيس يتصدر دولة تواجه احتمال انتقال العدوى الأمنية من جار مضطرب. المسؤولون المحيطون بالرئيس ظهروا بعيدين عن نبض الواقع: منفصلون، أو ربما غير راغبين في نقل الصورة الحقيقية له. وهذا هو الخطر الأكبر: أن تُدار البلاد برؤية مُلمّعة لا ترى سوى ما يريد البعض أن يراه الرئيس.

موريتانيا اليوم تحتاج إلى شجاعة سياسية لا إلى كراسي التصفيق. تحتاج إلى قائد يضع قدميه على الحدود لا على السجادة الحمراء. وتحتاج إلى مستشارين يقولون الحقيقة كما هي، لا كما تُكتب في تقارير مكتبية خالية من الميدان.

إن ترك الحدود وحدها والذهاب إلى الاحتفالات ليس خيارًا بريئًا. إنه قرار سياسي يحمل رسالة معاكسة تمامًا لما تحتاجه البلاد في هذه المرحلة. وإذا استمرت السلطة في إدارة الأزمات بالصور والشعارات، فقد تجد نفسها في مواجهة واقع لم تعد قادرة على التجميل أو التحكم فيه.