
الراصد : سؤال يبدو بسيطا... لكنه في الحقيقة من أكثر الأسئلة تعقيدا ، خصوصا في مجتمع يحاول أن يفهم نفسه الآن .
إنه سؤال يمكن أن يؤطر لنقاش وطني حول التحول الذهني والسياسي في موريتانيا .
ربما لن يجد ابن خلدون غضاضة في تحريفنا لمقولته الشهيرة " الظلم مؤذن بخراب العمران" ، فنقل مثلا
الفساد مؤذن بخراب العمران ، الغبن مؤذن بخراب العمران ، التهميش مؤذن بخراب العمران ، تدخل القبيلة في السلطة مؤذن بسقوط الدولة .
ومن هنا يبدأ الجواب على السؤال ( لماذا برام )
أولا : من أجل إنقاذ الدولة من القبيلة
لقد جعلت المحاصصة القبلية والجهوية من التعيينات والصفقات غنائم توزع في الظل، وأصبح الفساد نظاما عرفيا يبرر باسم "الولاء" و"التوازن الاجتماعي".
وأصبح وجود من لاقبيلة له في المشهد السياسي أو الاقتصادي مجرد ديكور لتحسين الواجهة ،ومن أجل ذلك دعمت الزعيم برام ضد سيطرة نظام القبائل على المشهد ، ليس رغبة مني في إقصاء مكون هام من شعبنا الحبيب بل دعوة صريحة إلى المشاركة والتوازن، و دعوة كذلك إلى أن تكون الدولة بيتا للجميع، لا مجرد تركة عائلية متوارثة.
ثانيا : لأن الظلم لا يمكن أن يستمر .
أخطأنا حين صمتنا طويلا على التهميش والغبن اللذين تعرضت لهما شرائح بعينها.
لقد كنا نرى ونبرر، إلى أن صار التفاوت الاجتماعي قنبلة موقوتة تهدد الجميع .
و الزعيم برام – على خلاف غيره – لم يتحدث عن العدالة والمظلومية التاريخية و التمييز الايجابي بوصفهم شعارا انتخابيا، بل جعل منهم مشروعا ، ناضل من أجله ودفع ثمنه سجنا وتشهيرا وتشويها ، دون أن يتراجع خطوة واحدة عن مبادئه .
ثالثا : لأن الفساد لم يعد يطاق
الفساد يتغذى على اللامبالاة ! وهذا ما نبه إليه الزعيم برام حين وصف تعامل النظام مع تقرير محكمة الحسابات بالبارد !
وبناء عليه فلا يمكن لأي نظام يغذي الفساد بأن ينال ثقتي شخصيا فكما قال نيلسون مانديلا :" الفسادُ ليس مجردَ سرقةٍ للمالِ العام، بل هو سرقةٌ لأحلامِ الناسِ ومستقبلِهم "
رابعا : لأن الحوار القادم ليس بريئا
كل المؤشرات تدل على أن الحوار السياسي المرتقب يُراد له أن يكون مظلة لتبرير مأمورية ثالثة، أو اختيارا لمرشح البلاط وهذا ما يجب التصدي له قبل أن يُكرّس من جديد ثقافة : " تقيد التداول السلمي للسلطة "
دعم برام هنا ليس مجرد اصطفاف سياسي، بل اصطفاف مع فكرة الجمهورية نفسها، ومع التداول السلمي للسلطة الذي إن ضاع مرة أخرى، سنفقد معه آخر خيوط الثقة بين الشعب ومؤسساته.
خامسا : لأن الزعيم برامه يحظى باحترام الخارج !
قد لا يعرف كثيرون أن الرجل الذي يسخر منه بعض مدوني أهل الخيام و بعض جلسائي في المقاهي يحظى بتقدير في الخارج أكثر مما نعطيه نحن في الداخل.
فقلما حظي زعيم معارض في موريتانيا بما يحظى به برام من تقدير وثقة لدى المجتمع الدولي.
هذا الرصيد ليس ترفا دبلوماسيا، بل يمكن أن يترجم إلى ثقة استثمارية، وعودة للأموال المهاجرة، وفتح لصفحة جديدة من التعاون مع العالم، بعيدا عن الوصاية والإملاء.
سادسا: من أجل إعادة اللحمة الوطنية وتجديد النخبة .
الزعيم برام هو المشروع الوحيد الذي يمكن أن يعيد الثقة بين مكونات هذا الوطن، لا بخطاب الإرضاء، بل بخطاب الاعتراف والإنصاف.
كما أنه الوحيد الذي يتحدث بصدق عن ضرورة تجديد الطبقة السياسية، وإيقاف تدوير الوجوه التي هرمت على كراسيها ولم تترك للبلد فرصة للتنفس.
سابعا : وأخيرا
أن أكتب هذا الكلام لا يعني أنني خرجت من جلدي، بل أنني تحررت من الخوف من السؤال:
لماذا برام؟
لأنني ببساطة أريد دولة لا تدار بالقرابة، ولا تختزل في لون أو جهة.
في النهاية، برام بالنسبة لي ليس زعيما أسود، بل فكرة بيضاء.
فكرة تقول إن الدولة للجميع، وإن العدالة حين تبدأ من القمة تصل بسرعة إلى القاع.
ولذلك اخترت أن أكون في صفه.
ليس ضد أحد، بل مع وطنٍ نريده أن يولد من جديد.
بقلم المهندس بابه يعقوب أربيه