
الراصد: في عالم السياسة ، لا يوجد أخطر على الأنظمة من الأصوات التي تجيد كشف التناقضات ، و تعيد تشكيل الوعي العام . و بينما تنصب الحواجز أمام هذا الصوت أو تسخر له الحملات ، تخرج الحقيقة من بين الأنقاض ، أقوى من أي خطاب رسمي . هذا ما يحدث اليوم مع الرئيس بيرام الداه اعبيد ، الذي يبدو أن صوته بات يربك دوائر السلطة حتى خارج الحدود . الشكاية التي وجهتها الحكومة الموريتانية إلى نظيرتها السنغالية – ضد خطاب تم تفسيره حسب حاجة في نفس يعقوب ، ألقاه الرئيس بيرام ليس مجرد حدث دبلوماسي عابر ، بل مؤشر خطير على هشاشة داخلية لم تعد قادرة على مجابهة الكلمة بالكلمة ، و الحجة بالحجة . إنها كما و صفها المفكر الألماني - إريك فروم - ( تعبير عن الخوف من الحرية ) إن استدعاء و زير الداخلية السنغالي لرئيس بيرام بناء على شكاية موريتانية ، يؤكد شيئا واحدا أن النظام لم يعد يثق حتى في أدواته التقليدية لكبح الخطر الديمقراطي فقد كتب نيلسون مانديلا يوما ( حين يبدأ النظام في محاربة الكلمة تأكد أنه بدأ يفقد شرعيته أمام الوعي الجماهيري ) ليس من المفارقة أن يتجاهل النظام الموريتاني قوة الرئيس بيرام بينما يلهث لمطاردته خارجيا ، بل هو تناقض وجودي يعكس عجزه عن فهم الظاهرة السياسية الجديدة ، معارضة تنمو في العقول لا تقمع بالمراسيم و لا تسكت بالتحريض .
هذا التناقض يعيدنا إلى قول الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة ( إن الدولة التي تخاف من معارضيها لا تستحق أن تحكم شعبا حرا ) فالرئيس بيرام ليس مجرد نائب أو ناشط بل هو امتداد لوجدان شعبي يرى فيه ممثلا لمظلومي الأمس و صوتا لمستضعفي اليوم ، و خصما لمعادلة الفساد و التسلط .و يزداد موقف الرئيس بيرام وضوحا عندما أعلن امتناعه عن المشاركة في ما يسمى بـ ( الحوار الوطني ) معتبرا إياه غطاء ناعما لتسويق الاستكانة و ترسيخ الضعف و تجاوز جوهر الأزمة الوطنية على كافة الأصعدة ، الاقتصادية و الاجتماعية و الحقوقية . لم ير في ذلك الحوار سوى تمثيلية نخبوية باردة تتجاوز الأسئلة الحقيقية التي تؤرق المواطن البسيط . و هنا تتجلى الرؤية النقدية التي لا تقبل التواطؤ مع نصف الحقيقة و لا تشارك في توزيع الأدوار على مسرح خال من الجمهور . لقد بات واضحا أن من يحكم اليوم لا يمتلك سوى منطق التهديد في غياب الرؤية و الحكمة. يريدون تجريد الرجل من شرعيته النضالية بإجراءات إدارية لكنه يزداد حضورا . يسعون لحبسه داخل الجغرافيا ، بينما يمتد صوته من نواكشوط إلى اقطار الكرة الارضية . إنها المعادلة التي أرقت كل طغيان ، كيف تسكت من صار ضميرا ؟
فهل سيتوقف الزحف التحرري لأن السلطات السنغالية تلقت هاتفا دبلوماسيا من نواكشوط ؟ كلا فتجارب التاريخ تعلمنا أن القيود المؤقتة لا تصنع إلا مزيدا من الإلهام قال جون ستيوارت ميل ( الحرية لا تهدى بل تنتزع من بين فكي السلطة الجبانة ) و ها هو الرئيس بيرام رغم كل محاولات الاحتواء يثبت مرة تلو الأخرى أن معاركه ليست شخصية بل تتعلق بجوهر الدولة و فكرة العدل و شكل المستقبل . و ليس خافيا أن حركة إيرا التي حاول النظام تشويهها صارت مرجعا نضاليا يعبر الحدود و يقلق الإستبداد ، لأنها طرحت سؤالا جوهريا: هل يمكن لشعب موريتانيا أن يحكم نفسه بنفسه لا أن يحكم فقط ؟
اقول صوت الرئيس بيرام لن يخبو لأنه ببساطة لم يعد فردا بل صار فكرة و الفكرة إن صارت شعبية لا تمنع .
و من لا تعجبه الحقيقة ، سيتذوقها قريبا بأصوات شعب عقل الواقع .
موريتانيا فوق كل إعتبار
موريتانيا في حاجة لجميع أبنائها
مكي عبد الله عضو و ناشط في منظمة إيرا الحقوقية و عضو في حزب الرك
أنواذيب بتاريخ : 18/07/2025