الأستاذ والكاتب الصحفي / النهاه أحمدو .. يكتب : خطاب مأموم لا خطبة إمام

جمعة, 11/07/2025 - 12:38

الراصد : لا ينكر مكابر رسوخ أقدام علمائنا و دعاتنا و أئمتنا في شتى اصناف العلوم الشرعية : (قرآنا و حديثا و فقها و أصولا و معاملات إلخ…) ، كما لا ينكر أحد ما كان لهؤلاء من دور في نشر رسالة الإسلام في كافة اصقاع المعمورة و ما مثلوا به بلادنا خير تمثيل ، حتى شهد الجميع بأن موريتانيا جمهورية إسلامية سُنِّيَّة مالكية بالكامل ، و على ذلك نَصَّ دستورها و من الشريعة الإسلامية اسْتَمَدَّت قوانينها .

إن هذه المرجعية التي كانت و لا تزال – و لله الحمد – ارفَعَ خيط في الفَتِيل الناظم لوحدتنا و تماسكنا و الضَّابِطَ لنهج حياتنا ، كافية وحدها لتجعلنا أمة سهلة الإمتثال لتوجيه العلماء و التشبث بوعظ الدعاة و التأثر بخطب الأئمة .

لقد حاول قطاع الشؤون الإسلامية خلال مختلف مراحل تَشَكُّل الدولة الحديثة ، بذل جهود في سبيل التوجيه و الإرشاد الديني ، إلا أن هذه الجود و البرامج ظلت دون المستوى و شهدت ركودا في الطرح و التناول ، حين لم تستطع مسايرة تحديات العولمة و الانفتاح على الآخر و سرعة دوران تطور المجتمعات ، حتى لا أقول مواكبة فِقْهَ المرحلة و نوازله المستجدة .

إن فَقْرَ مساطر البرامج الدينية في و سائل الإعلام الرسمية : (الإذاعة و التلفزيون الوطنيين) ، جعل من هذه البرامج مجرد عملية إجترار لمواضيع مَلَّهَا المتلقي لعدم التحديث فيها ، فأصبح الجميع يحفظ عن ظهر قلب المحاضرات المسجلة لبعض مشايخنا ، رحم الله الأموات منهم و أطال في اعمار الأحياء ، و ذلك لكثرة إعادتها في الإذاعة الوطنية بين الحين و الآخر .

هذا في الوقت الذي مَلَّ فيه المتتبع للتلفزة الوطنية هو الآخر ، تكرار أحكام زكاة الفطر و تحديد مقدارها و وقت إخراجها و مستحقيها و أفضل الأصناف التي تخرج منها ، كما لم يعد بحاجة إلى معرفة أحكام الأضحية و على من تجب و ما يجزئ منها و وقت ذبحها .
كلها مواضيع ظلت دون تغيير ، مادة لوسائل الإعلام الرسمية و حاضرة في خطب الأعياد و على منابر المساجد .

إن محاولة قطاع الشؤون الإسلامية من وقت لآخر ، استغلال منابر الجمعة بالمساجد لتمرير رسائل إلى المجتمع ، أمر لابأس به خصوصا إذا كان الموضوع مستجدا ، وثيقَ الصلة بحياة المواطن ، يحمل إرشادا أو توجيها أو توصية في شأن مهم ، و مجردا من أي لَبُوسٍ سياسي و بعيدا عن المزايدات أو خدمة لأجندات خاصة .

و في هذا المجال ، لابأس في إستحضار أمثلة من تعميمات الجهات الرسمية بتوحيد خطب الجمعة خدمة لمواضيع شتى :

1)- الجمعة 02 أكتوبر 2020 (التمسك بالقيم و الأخلاق الإسلامية).

2)- الجمعة 30 يوليو 2021 (الإيثار و الاستغفار و الصدقة و الإنفاق في سبيل الله).

3)- الجمعة 22 أكتوبر 2021 (الإقبال على التلقيح ضد كورونا).

4)- الجمعة 26 نوفمبر 2021
(السلامة الطرقية).

5)- الجمعة 17 دجمبر 2021 (عدم التفاخر بالأنساب و التنابز بالألقاب ).

6)- الجمعة 22 ابريل 2022 (أمانة المسؤولية و أداء الحقوق).

7)- الجمعة 27 مايو 2022 (الحكم الشرعي في المغالاة في المهور و الإسراف في حفلات الزفاف).

8)- الجمعة 22 دجمبر 2023 (نجاح التعداد العام للسكان و المساكن).

9)- الجمعة 06 دجمبر 2024 (التبذير و البذخ في المناسبات الإجتماعية و محاربة الفساد).

بديهي جدا أن يتفاوت مدى إستجابة الأئمة لموضوع توحيد الخطب ، و ذلك حسب اختلاف مشاربهم و موقعهم من التعامل مع الجهات الرسمية .
كما أن النتيجة المرجوة من الخطاب تتوقف على نوع الموضوع ، و أسلوب طرحه و الجهة المستهدفة به ، خصوصا إذا كان موجها لجهة أو فئة خاصة من المجتمع .

و في هذا الإطار يتنزل تعميم توحيد خطبة الجمعة 11 يوليو 2025 الموجه لفئة المسؤولين الرسميين لحثهم على قضاء عطلهم الصيفية في الداخل .

بعيدا من أن أكون على مستوى إسداء النصح و إبداء الرأي لأئمتنا الفضلاء ، لكن بحكم الإنتماء الفطري لأمة الإسلام و المسلمين ، و بمقتضى وجوب الإهتمام بأمر العامة ، فإني أناشد علماءنا و دعاتنا و أئمتنا ، باستغلال منابرهم و في كل المناسبات للحديث عن :

— الغلول في المال العام .

— حرمة الرشوة و استخدام النفوذ لابتزاز الضعفاء .

— تبديد المال العام في الصفقات المشبوهة و المشاريع الوهمية و الزبونية .

— وجوب توفير الخدمات الأساسية للمواطن دون تمييز .

— تفشي فساد الأخلاق العامة .

— الإنتشار المقلق لجرائم القتل و الإغتصاب و السرقة و الغش في المعاملات .

— أنتشار أوكار الدعارة و العهارة و القمار ، و المتاجرة بالممنوعات .

— التبجح و المجاهرة بممارسة جميع أنواع الفواحش ، و الرذائل و انتهاك حرمات الله و التستر على مرتكبيها .

كيف يمكن تفسير سكوت علمائنا و دعاتنا و أئمتنا عن القتلة من باعة الأدوية المزورة ، و حبوب الهلوسة و المخدرات و المواد الغذائية المنتهية الصلاحية ، و مبيضي الأموال و تجار الأسلحة و مروجي الحروب الأهلية و مزوري الأوراق و الوثائق و العقود بشتى أشكالها و مهربي البشر ، لينشغلوا بتوجيه المسؤولين لقضاء عطلهم في الداخل؟

فمن أين لأئمتنا الكرام أن يقنعوا هؤلاء بالسفر بسياراتهم الفارهة التي كلفتهم ما بين الستين و الثمانين مليونا ، ليُمَرِّغوها في وَحَلِ الداخل ، و هي التي كانت تُغسل ثلاث مرات يوميا في مرآبها بقصورهم في انواكشوط ؟

كيف لأئمتنا أن يقنعوا هؤلاء بشراب مياه اظهر في الحوضين و مياه آفطوط التي خصصوها بعد وصولها لمنازلهم في انواكشوط ، للغسيل و الإستخدام المنزلي ، ليشربوا عِوَضها مياههم المعدنية المستوردة من خارج الوطن ؟

كيف لأئمتنا أن يقنعوا هؤلاء بأكل عجائن “الواحة” و “العالية” المصنوعة محليا ، و زيوت “OKI” المشبعة بالكولسترول الضار ، عِوَضًا عن عجائنهم و زيوتهم الأوروبية المنشئ و الصناعة ؟

كيف لأئمتنا أن يقنعوا هؤلاء بمنع اطفالهم من فواكههم المختلفة الأنواع ، الطازجة و المستوردة لتَوِّها ليتناولوا بدلها حبات “مندرين” أو “مانجو” عَفِنَة هي كل المتوفر بالداخل ؟

بأي حجة يمكن لأئمتنا الكرام إقناع هؤلاء ، بتفويت فرصة مدة وجيزة هي فترة الإجازة السنوية ، في التمتع صحبة عيالهم في قصورهم الفخمة في(لاس بلماس و الدار البيضاء و باريز و انقرا و الدوحة و دبي ) ؟

و أخيرا هل سيوفر أئمتنا لهؤلاء المسؤولين أقنعة فلاذية لاصقة ، ليختفوا وراءها طيلة تواجدهم بالداخل ، حتى لا يتعرف عليهم من كذبوا عليهم في آخر المواسم السياسية ، و حتى لا يعرفهم الأتراب و الأقران ممن شاركوهم صيد الوزغ و السحالي ، و ركوب الحمير في مضامير السباق ، و مص قصب سيقان سنابل الزرع ؟

النهاه ولد احمدو
46442289