السفير حمود ولد عبدي يؤبِّن المرحوم محمد محمود ولد أمّاه

جمعة, 19/06/2020 - 00:27
سعادة السفير حمود ولد عبدي

نعى النعاة،في الساعات الأخيرة ،الدكتور محمد محمود ولد امّاه..عرّفه هذا ب"رئيس الهيئة الأولومبية" وذلك،ب"أساذ الاقتصاد،بجامعة نواكشوط" وأخرون،ب"عمدة نواكشوط السابق والمترشح الأسبق،لرئاسة الجمهورية،في مواجهة معاوية ولد سيدي أحمد الطايع"...وعاد البعض،ل"سرعة بديهته ونكاته الطريفة وحزبه الشعبي ومواقفه الرافضة،بجرأة لإملاءات مؤسسات" ابريتن وودز" ونفوره الشديد من القبلية..."..
وبعد قراءة كل نعي،كان امتعاضي،يزداد من تأبين هذا" الفذ"النادر،بمثل هذه التعاريف العادية؛ وحنقي وألمي يتضاعفان ،وأنا أرى إلى أي حد، نسيت "القضية"و"روّادها الأوائل" وكيف تمّ وأد ماض جميل وعظيم، طمرته عواصف جوفاء،في مواسم هجرات لم تهبّ "من الشمال"،فقط،على رسم شهادة عبقري السودان طيب صالح؛بل،من كل الجهات،عبر المكان والزمان،منذ لورانس العرب،مرورا بسايس بيكو،فالنكسات المتتالية،من ٤٨ إلى ٦٧،إلى حرب العراق، وانتهاء،ب"الفوضى الخلاقة" وما رامته من "تقسيم المقسم" و"تجزئة المجزإ"والتخلص،اغتيالا وذبحا وتنكيلا ونكاية مشرعنة بالمقدس وغير المقدس، من كل من يُخاف، فيه، مثقال ذرة من إيمان ب"الذات" المستهدفة،قبل الإجهاز النهائي على بقايا الهوية والانتماء والذاكرة،على طول الأرض الممتدة،من المحيط إلى الخليج،بل على كل حوّاس الشم والذوق والسمع واللمس  والكلام ،في كل أبناء الضاد؛ولما يعرف العالم الكوفيد ١٩..
وتمثلتُ المهلهل وردة فعله،وهو،أمام هول صدمة انطفاء نجم ثاقب عربي آخر:

نعى النعــــــــاة كليبا لي فقلت لهم ٠٠٠ مادت بنا الأرض أم مادت رواسيها

ليت السماء على من تحتها وقعت ٠٠٠ ومالت الأرض فانحــازت بمن فيها

الحـــــــــزم والعزم كانت صنيعته ٠٠٠ ما كل آلائه يا قـــــــــــــوم أحصيها
وودت لو تولى تأبين الفقيد المستحق بعض  رفاق دربه،من السابقين السابقين إلى الالتزام ورواد النضال،ممن قضوا منهم أو من ينتظرون،ممن قطعوا معه أشواطا،في مساره العروبي،قبل أن تجربعضهم "ذاريات" الزمن العربي الآنفة الذكر، لطرائق ومسالك أخرى ..وودت لوبقي لها حيا وكان لها رمز النضال العروبي فاليساري،بعد ذلك المرحوم سيدي محمد ولد سميدع أو لوكان مازال بيننا "طود القضية" و"جبلها الأشم المرحوم الرشيد ولد صالح،ليستذكر،معنا، بلغته الأدبية الشاعرة الصادقة وحماسه العروبي المؤثر،شيئا من ماضي الرجل وسبقه،في خدمة العقيدة والانتماء ؛أو أن "يتذكر" محمد المحجوب ولد بيه أطال الله بقاءه،مرة أخرى، شيئا من حكاية عربية مجيدة جرت أحداثها، بالقاهرة ودمشق وبغداد وباريز وكان لفقيدنا اليوم،فيها أبرزمن دور وأكثر من بطولة..
وفي انتظارأن يعطى القوس باريها، ويتولى المهمة من يشفي فيها كل غليل،يعيدني مابقي من  الذاكرة،إلى تلك الأيام،من أغشت ١٩٧٧،أول يوم اتيح، لي، فيه،لقاءالمرحوم..كان يوم مؤتمر الشباب وكنت حضرته ممثلا لتلاميذ إعدادية البنين،بالعاصمة..وكان "أصحاب القضية"،كل المؤمنين بالنهوض العربي،من وصلت إلى آذانهم دعوات رواد الشام الأوائل،مثل البستاني واليازجي:<<تنبهوا واستفيقوا أيها العرب*فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب>>وغلت دماؤهم جراء أدبيات القوميين العرب حبش وشبل والخطيب والجبوري ورواد البعث ميشيل عفلق ونديم البيطاروزكي الأرسوزي والزعيم العربي عبدالناصر هرم الجيزة الرابع وقائد مصر إقليم الوحدة المنشودة،كان كل التيار العروبي،قدالتف حول محمد محمود ولد أماه،مقررين وقد وصل إلى سمعهم أن الرئيس المختار ولد داداه والمكتب السياسي رتبوا كل شيء،من تشكيلة مكتب المؤتمرإلى المجالس القيادية،دونما مشاورة أو إشراك،لهم،في الأمر،رفع التحدي..وهو ماتم،لهم، فعلا،بإسقاط مكتب المؤتمر المقترح من طرف قيادةالدولة وانتخاب بديل له،برئاسة محمدمحود المذكور..
وبقينا،طيلة سنوات ،بعد ذلك،نلتقي،تارة ونغيب عن بعضنا،حينا ،مجتمعين،في الأساسي وإن فرقتنا المواقع والظروف،حتي كانت الانتخابات البلدية الأولى،في نواكشوط؛وكان المرحوم رمز لقاء جديد والتفاف آخر حول تحد جديد..وإني لأتذكر،تلك العشية التي استقبل فيه المرحوم وفدنا الذي أبلغه قرارنا بدعمه،مقترحا أن أتولى،شخصيا، باسمهم ،دور التنسيق معه وهي المهمة التي،على أساسها،قرر المرشح تكليفي،بتنسيق الحملة..وكان النصر،مرة أخرى،عل الدولة،تكريسا ليمن هذا الفارس العربي الذي كان واحدا،من أربعة مثقفين لم تستطع "لغة مليير"التي تكونوا بها وثقافتهم الغربية العميقة أن تمحو،فيهم،التشبث بانتمائهم الأصلي،بل حفزتهم تحفيزا ليكونواجنودا ل"لقضية" كرسوا،لها حياتهم،حيث قضى هو و محمد الأمين ولد دندو،على هذا الطريق ومازال محمد يحظيه ولد ابريد الليل والكوري ولد احميتي أطال الله بقاءهما،عليه سائرين..
لقد بقيت،منذ تلك التجربة قريبا من الرجل،وإن،فقط، عبر ودلم ينخرم وتلاق روحي عززته علاقات قربى وجوار طيب،مع أفراد أسرته..وكنت وإياه على موعد،إذكنت أريد أن أستنطقه حول هذا السبق الذي له والريادة،في جوانب هامة من "قصة القضية المجيدة" التي آمل أن تتاح لي فرصة حكاية أهم فصولها،بمجرد تهيؤ الظروف لذلك؛ولكن الأمر بيد الله وحده..
ارحمه اللهم واغفر له وخلده،في الفردوس,كل التعازي والمواساة الصادقة،للأسرة الكريمة ولكل الموريتانيين وجميع أصدقاء المرحوم ومعارفه وكل من شاركه الهم العربي.ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ولله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بمقدار وإنا لله وإنا إليه راجعون..