قصة امباركه، التي تطعمها “المساويك” خبزاً

أربعاء, 06/03/2019 - 18:26

امباركة امرأة ثلاثينية تعوّدت أن تجلس أمام إحدى المؤسسات التجارية تلاعبُ ابنتها ذات الربيع الثالث بإحدى يديها؛ وتمسك حُزمة مساويك بيدها الأخرى؛ تنادي الخارجين والداخلين من المؤسسة بأسلوب يبتعد عن الإلحاف؛ عارضة بضاعتها البسيطة أو مستجدية مساعدتهم لها بما تيسّر..  يكفي مظهرها و تغني ملامح وجهها، وهي تسرد معاناتها، عن سؤالها عن قصتها؛

كانت تتفادى خلال جلستنا معها التصوير ؛ و لكنها روت لنا رغم ذلك قصتها في النهاية.

تقول امباركة إنها تنحدر من مقاطعة باركيول و قد تزوجت قبل ثلاث سنوات من رجل كادحٍ تعرفت عليه في مقاطتها؛ ورغم أنه متزوج أصلاً من امرأة أخرى إلا أنها قبِلت أن تكون ضرّة ؛ فالنساء في وسطها الاجتماعي لايتعرضن للاضطهاد و السخرية إن قبلن الارتباط برجل متزوج. تقول امباركه.

كان زوجها  يعمل من حين لآخر في بعض المهن غير المستقرة؛ و كانت زوجته الأخرى تسيطِر عليه ولاتتركه يبتعد عنها كثيراً؛ بل إنها ربما استخدمت “طلاسم وأسحاراً” لتسهيل ذلك، حسب امباركة التي تستعيذ بالله أن يؤدي بها التنافس على الحظوة عند الرجال للجوء لتلك الطرق.

رضيت امباركة بزوج تشاركها إياه أخرى، و انتقلت للعيش مع أختها في نواكشوط في كوخ صغير في ضاحية (لمغيطي) علها تقّرب المسافة لتحظى بحقها هي الأخرى في العِشرة؛ ولو أنها ضرّة! 

تقول مباركة إنها تصبر على شظف العيش وظروف زوجها ولا تألو جهدا في رفع ما قدَرت على رفعه من مسؤولية النفقة عن كاهله. و لكنها بعد أن أنجبت ابنتها الصغيرة بدأت  تتزايد حاجتها لعناية زوجها بها؛ و لكن بدل أن يتحقق ما آملت ، سارت الأمور في اتجاه آخر؛ فأصبح زوجها يتغيب عنها لفترات متلاحقة؛ ويمضي أكثر وقته عند زوجته الأخرى؛ ولم يعُد قادراً على إعالتها و مساعدتها في المصروفات اليومية؛ مما جعلها تضطر للبحث عن وسيلة لتوفير الغذاء لابنتها الصغيرة.

اضطرت امباركه لامتهان  “بيع المساويك” فبدأت تتجشم رفقة ابنتها الصغيرة التي لاتستطيع تركها عناء رحلة روتينية من عريشها الذي يقع في حي “لمغيطي” إلى مركز مدينة نواكشوط، حيث تتجول في المؤسسات والشركات والبنوك والوزارات لتسويق بضاعتها البسيطة؛ وطلب المُساعدة من الميسورين الذين تصادفهم من حين لآخر أمام المباني الكبيرة؛ 

 مهنة بيع المساويك، حسب امباركه، لاتدر عليها دخلا فأقصى ماتعود به عليها يومياً  500 أوقية تقريباً؛ وهو مبلغ لايكفي لإطعام صغيرتها وتغطية أدنى الضروريات؛ لذلك اضطرت للجمع بين تلك المهنة وبين طلب المعونة من الخيّرين.

تقول امباركة، و قد طلبت منا مساعدتها ماديا أثناء سردها لقصتها، إن والدة زوجها التي تسكن في باركيول توفيت قبل يومين بسبب “الضغط” وإنه عجز عن ايجاد النقود لدفع تذكرة السفر إليها قبل وفاتها فقررت أن تجمع له ماقدرت على جمعه من النقود حتى تساعده في الذهاب إليها؛ لكن القدر عاجلها؛ والآن تريده أن يذهب لحضور مراسم العزاء؛ بعد أن فاتته مراسم الدفن.

و حين سألناها عن سبب إصرارها على مساعدته و قد قصّر في واجباته، قالت امباركة بنبرة مؤثرة إنها من طينة أخرى؛ فهي لا ترضى لنفسها أن تجلس مكتوفة الأيدي بينما زوجها في حالة عجز عن القيام بمسؤولياته.. ودّعناها و هي تلاعب ابنتها و تخاطبها : لقد سمّيتُكِ باسم والدة ولي صالح وأرجو أن تكوني مثلها.

 

"مصطفى العالم/ تقدمي"