لقاء مع "الفريق" (الجزء الأخير)

ثلاثاء, 19/02/2019 - 18:20
الفريق غزواني

.... قلت له :" وماذا عن فرنسا التى يقال إن أنفها حاضر بقوة فى أية ترتيبات تمس نظام الحكم فى موريتانيا؟"
أجاب وكأن السؤال فاجأه :" لاتختلف علاقتنا بفرنسا عن علاقتنا بأية دولة فى العالم وعندما تقدر دولة مصالحنا وتحترم رغباتنا نأخذ بالحسبان مصالحها معنا ونحترم رغباتها مالم تحاول تجاوز سيادتنا وأمننا ووقار بلدنا ب"أنفها" أو"يدها " أو"لسانها"
قلت له :" وملف الصحراء؟"
أجاب :" تربطنا علاقة أخوة وأواصر قربى ودين وتاريخ وجغرافيا بشعوب المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية والجمهورية الصحراوية وحيادنا لارجعة فيه والحل النهائي للمشكلة متروك للشعبين والحكومتين فى المغرب والجمهورية الصحراوية ولاتدخل لنا فى الملف إلا بما يخدم سلاما دائما وحلا عادلا يشجع التعايش بين شعوب المنطقة ويوجه الطاقات لمعركة التنمية ونتمنى أن يرتفع صوت الحكمة والمنطق على صوت التدابر والشحناء "
خرج قليلا ( بدون استئذان فالرجل عسكري) لإجراء مكالمة ثم عاد ليجد سؤالى جاهزا:" سيادة الفريق نجحت البلاد حسب مراقبين فى تحييد خطر الجماعات المسلحة طيلة السنوات الماضية وأنتم على دراية بذلك الملف يقينا وهناك من يرى أنكم استخدمتم أساليب عديدة لإخراج البلاد من مسارات "الإرهاب" فى المنطقة من ذلك اتفاقيات بعضها "فوق الطاولة" ومعظمها" تحتها" كيف تعلقون على ذلك ؟"
أثبت نظاراته هذه المرة ونظرمن فوقهما مجيبا :" فى الأمور والملفات الأمنية الكبرى لا مجال لإعطاء معلومات فهذا بلد واجه مع العالم خطر "الإرهاب" وهذه ملفات تتطلب الكثير من التحفظ و"السرية" ومع ذلك نحن عملنا نهارا جهارا بالتعاون مع حلفائنا على تجنيب بلدنا خطر الفوضى ولنا كدولة مستقلة القرار كامل الحق فى اتخاذ مانراه مناسبا وإن لم يناسب بعض حلفائنا نظرا لخصوصيات بلدنا الثقافية والاجتماعية والإقتصادية بناء على تلك الخصوصيات التى من ضمنها أيضا الترابط الاجتماعي بين شعبنا وشعوب الدول المجاورة قمنا بكل ماهو مشروع عقلاني ومتاح لتحصين بلدنا والحمدلله نجحنا فى ذلك والعبرة بالنتائج وليست بالأساليب"
أضفت بسرعة: " نجحتم والحمدلله فى تأمين الحدود ولكن الآن وضع البلاد شبيه بمنزل مسيج بالأسلاك الشائكة خارجيا وداخله توجد فوضى وعدم استقرار أمني أليس الأمن الداخلي أولوية سيادة الفريق؟"
قلب أجهزة الهاتف بين يديه واستدار عبر حركة مقعده الدوار(مثل الزمن ومثل كرسي الرئاسة) ثم قال :" فعلا نأسف للحوادث التى تقع فى العاصمة وخارجها من حين لآخر بعضها مفزع حقا ونبذل مافى وسعنا لتأمين المواطنين والمقيمين أرواحا وممتلكات ونحن مثل كل دول العالم لسنا بمنأى عن الجرائم بمختلف أنواعها لاحتكاكنا بثقافات وسياقات جغرافية معقدة كوننا نقطة نشطة للعبور والاقامة بين افريقيا والعالم كما أن لتوسع المدن ونموها وانتشار الفقر والتسرب المدرسي والانبهار بالآخر سلوكا وحضارة دور فى تنامى الجرائم وهذه مشكلة عالمية نتعامل معها بكل مانملك وهي شغلنا الشاغل والتزامنا بالأمن الداخلي مسؤولية وطنية لن نفرط فيها مهما كانت التعقيدات على مستوى تطور الجريمة العابرة للحدود أساليب وآليات ومخططات"
ساد صمت بيننا لدقائق بعدها سألته :" فى حالة وصولكم للحكم أي من الملفات التالية سيسيطر على تفكيركم إصلاح التعليم ،إصلاح الصحة، التنمية ، البنى التحتية، الاختلالات الاجتماعية، الوضعية الإقتصادية؟"
نظر بهدوء الى سقف القاعة ثم أجاب:" من الواضح أن إصلاح التعليم هو بداية كل الإصلاحات ثم الصحة وبعدهما بقية الملفات والحق أنها ملفات صعبة معقدة الخلل فيها تراكمي وهناك منذ الإستقلال خلل فى ترتيب الأولويات وبالنسبة لى يجب أولا وقبل كل شيئ ترسيخ مفهوم المواطنة وإصلاح ذات البين بين المواطن الموريتاني ووطنه عبر إحلال العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص عند غرس قيم المواطنة تصبح بقية الملفات قابلة للحل تشاركيا"
قلت فى نفسى ولها " كل العسكريين والسياسيين عندنا يتذكرون للحظات خاصة قيم العدل والمساواة والمواطنة ويرددونها عبارات رومانسية جميلة ولكن على الأرض ماعليها"
واصلت أسئلتى قائلا :" هل يمكننا القول إنكم ستكسبون تحالفا مع "الإسلاميين" بناء على معطيات تتشابك لترسم شبه علاقة ولو"غير معلنة" بينكم وبينهم مثلا فضفضة حزبهم درجة منح مؤسسة زعامة المعارضة لشخص يوصف بأنه مقرب من أحد "رفاقكم" من الجنرالات ومن أكبر داعميكم واستقالة قيادي "إخواني" بارز تتحدث مصادر خاصة عن انضمامه لمسار ترشحكم ؟ّ"
أجاب بهدوء :" لا أميل لاستخدام تسميات سياسية تيارية أنا إذا قررت الأغلبية أننى مرشحها واقتنعت بأن ترشحى سيخدم بلدى وشعبى سأنظر إلى الجميع على أنهم مواطنون أولا وليس لانتماءاتهم السياسية أوالعرقية لذلك بابى مفتوح للأفراد والمواطنين وليس لتشكيلات سياسية تيارية ولا أملك معلومات عن قرارات الأحزاب ولا أتتبع مساراتها فتلك أمور تخص كل حزب والخوض فيها من صلاحيته دون غيره"
عقبت قائلا:" معنى ذلك أن حملتكم القادمة "اجتماعية" تقليدية وليست "سياسية" تنظيرية مع أننى لا أبحث عن تناقض فى التشبث بأحزاب سياسية لأنها من الأغلبية والإبتعاد عن أخرى لأنها معارضة"
صمت لدقائق ثم قال :" فى موريتانيا كباقى الدول العربية والإفريقية من الصعب فصل ماهو سياسي عن ماهو اجتماعي وعموما أنا لم أقترب من حزب ولم أبتعد عن حزب ربما حتى الآن لست مندفعا لعقد تحالفات سياسية من أي نوع لكننى أرحب بأي مواطن موريتاني يقرر النقاش معى حول مانحن مقبلون عليه فى الفترة القادمة "
علقت قائلا :" صحيح أن هناك ترابطا بين السياسي والاجتماعي لدينا كما لدى دول أخرى فى العالم ربما أيضا لدينا زيادة على ذلك ماهو "عسكري" وماهو "أعماقي" واستقبال مواطن دون إطاره السياسي التياري أوالحزبي هو نوع من إعادته ل"جذره التربيعي" ومغازلة لمنطلقاته القبلية أوالعرقية أو"الطرقية"
صمت لبرهة ثم قال :" يهمنى سؤالك الأخير"
واضح أن المقابلة انتهت بالنسبة للفريق ولم تعد تتسع لأكثر من سؤال واحد
قلت له :" حسنا هل يمكن تحديدا أن نسمع منكم بوضوح أنكم فى حالة ترشحتم ونجحتم ستكونون آخر عسكري يحكم البلاد؟"
رتب أغراضه كمن يهم بالوقوف وهو يقول :" فى خصوصيات بعض الدول وعلاقة السياسة فيها بالمجتمع والمؤسسة العسكرية مناطق معتمة تجعل الجزم فى مثل هذه الأمور مجازفة وأتمنى أن تستمر البلاد مستقرة محكومة بنظام جمهوري وأن لأا أكون آخر رئيس "مدني" يحكم البلاد وتذكر أن العسكري المتقاعد مثله مثل "الممرض" المتقاعد يصبح مواطنا مدنيا له مالمواطنى بلده وعليه ماعليهم"
وقفت لتحيته فى نهاية المقابلة لكن عبارة "لغد أنطرح" نبهتنى إلى أننى كنت فى غفوة قيلولة أحتاجها أحيانا لأخذ قسط من الراحة و"الأحلام المتحمضة"

حبيب الله أحمد