
الراصد : في موسم الباكالوريا، تتباطأ دقات الزمن لا لخللٍ في الساعة بل لأن آلاف القلوب تُعلّق على لحظة لم تأت بعد. انتظارٌ معلّق لا يعرف توقيتًا دقيقًا ولا وجهة واضحة يتغذى على الترقب والإشاعة ويرتدي قناع الأمل حينًا ورداء الخوف حينًا آخر.
يتحوّل الطالب فيه إلى نقطة ساكنة وسط دوّامة من الرسائل والمنشورات والتكهنات والوعود التي لا تستند إلى أي مصدر رسمي.
الانتظار في حد ذاته ليس فراغًا زمنيًا كما نتصوّر بل هو زمنٌ محمّلٌ بكل شيء: بالخوف، بالرغبة، بالقلق، وبالخيال هو لحظة لا نملك فيها سوى أنفسنا مجردين من السلطة ونكون خلال فترة الانتظار مسلوبي القدرة نراقب الشاشة أو نحدث تحديثًا للصفحة تلو الأخرى كأننا بذلك نسرّع لحظة الوصول.
إن المنتظر لا يملك إلا نفسه ولا يجد مخرجًا إلا في استهلاك المزيد من التوقع في الغوص أكثر داخل حفرة لا قرار لها حيث كل شيء مؤجل وكل إشعار جديد يُعيدنا إلى نقطة البدء فلا الحاضر حقيقي ولا المستقبل مضمون بل نحن عالقون في تكرار لا نهائي لوعد لا يتحقق.
ما يجعل الأمر أكثر ضبابية هو أن منصات غير رسمية - حسابات وصفحات ومؤثرين - تدخل على خط الترقب لا لتوضيح بل لزيادة التوتر، حيث تنتشر عبارات مثل: "النتائج بعد ساعات " "النتائج يوخظو الليلة " "نسبة النجاح مرتفعة هذا العام"... بينما الجهات والمواقع الرسمية لم تُعلن شيئًا، ولن تُصرّح إلا في الوقت المحدد.
المفارقة هنا أن بعض المتابعين يتعاملون مع الإشاعة كأنها الحقيقة، ومع الصمت الرسمي كأنه دليل على المؤامرة أو التأخير.
في هذا الترقب الجماعي، تنشأ سلطة لا تُرى لكنها فعالة من يروّج للإشاعة يتحكم في انفعالات الآخرين حتى لو لم يكن يملك الحقيقة السلطة هنا لا تُمارس بالقوة بل بالإشارة، بالتلميح، بالإيهام فيكفي أن تقول: "نتائج باك" حتى تبدأ العيون في الترقب والقلوب في الاضطراب.
كأن المعلومة لم تعد شيئًا في ذاتها بل وسيلة لقيادة جماعية نحو اللايقين.
كل تأجيل - حتى لو لم يكن مقصودًا - يُستثمر في هذه المساحة الرمادية كل فراغ زمني تُملأه الإشاعة ويُعاد تشكيله في صورة منشورات وتحليلات وقوائم مزيفة وتوقعات منسوبة لمجهولين وحين لا تأتي النتيجة في الموعد الذي وضعته الإشاعة لا ينكسر الزيف بل يُولّد المزيد منه.
الانتظار إذًا ليس ضعفًا، بل مساحة يملأها من يريد بما يريد وحين يغيب الصوت الرسمي إلى حينه الطبيعي، تتقدم الأصوات البديلة لتملأ هذا الفراغ وهنا، يصبح السؤال الحقيقي: من ينتظر من؟ وهل ننتظر النتيجة فعلًا؟ أم ننتظر فقط ما يقوله الآخرون عنها؟ وهل نعيش قلقنا من المجهول أم من كثافة الإشارات المتناقضة؟
في النهاية، يظل الإعلان الرسمي هو الحقيقة الوحيدة التي لا تتكلم قبل أوانها أما الباقي فهو ضجيجٌ حول الصمت وترقّبٌ يُستهلك في سوق العناوين أكثر مما يُفهم بوصفه لحظة إنسانية تحتاج إلى هدوء لا إلى تسويق.