جدل بموريتانيا حول قانون لحماية النساء

ثلاثاء, 18/08/2020 - 19:47

الراصد /: مشروع قانون جديد لحماية النساء والفتيات الموريتانيات من العنف والاغتصاب، ويحدد عقوبات للمدانين بهذه الجرائم، ويضم قوانين رأى فيها البعض مخالفة للنصوص الشرعية بينما تطالب جهات حقوقية وشخصيات عامة بضرورته وأهميته لحماية المرأة من العنف.

صدَّق مجلس الوزراء الموريتاني على مشروع قانون جديد للوقاية من العنف ضد النساء والفتيات، ويأتي المشروع الجديد بعد نداء عدد من الهيئات الحقوقية والحركات النسوية بضرورة تبني قانون يحمي المرأة في ظل تصاعد أعداد ضحايا العنف والاغتصاب من النساء والفتيات الموريتانيات، لكن التصديق الحكومي على هذا القانون ريثما يُقدَّم للبرلمان، أثار جدلاً واسعاً بين النخب الموريتانية.

والواقع أن المرأة الموريتانية تحتاج إلى قوانين تحميها من العنف والاغتصاب، وهو ما أكدته منظمة هيومن رايتس ووتش في بحث ميداني قامت به خلال العامين 2018 و2019، فأكدت أن غياب القوانين القوية ضد العنف تجاه النساء وغياب المؤسسات التي تقدم العون للضحايا منهن إضافة إلى الضغط الاجتماعي والوصم بالعار يمنع المرأة "الضحية" من طلب المساعدة والانتصاف من الجناة.

ومنذ فجر الدولة تعاني ضحايا العنف والاغتصاب من غياب خدمات الرعاية الصحية والطب النفسي والدعم القانوني، وهو ما دفع مئات المنظمات غير الحكومية إلى محاولة توفير الحماية قدر المستطاع وإن بإمكانات محدودة، في الوقت الذي تواجه فيه الضحايا اللاتي يقدمن شكاوى للسلطات خطر المحاكمة بسبب إقامة علاقة خارج الزواج إن لم يتمكنّ من إثبات تعرضهن للاغتصاب.

ويبدو أخيراً أن الحكومة ارتأت واستجابت لمطالب المنظمات بما فيها منظمة هيومن رايتس ووتش التي وجهت رسالة إلى الرئيس الموريتاني الحالي نهاية العام المنصرم بتوضيح موقفه من هذا الواقع وتوفير حماية قانونية للنساء.

ومع التصديق الحكومي على مشروع القانون الجديد ثار جدل حول موافقته للنصوص الشرعية، وبين مطالب إلغائه ودعوات ضرورته.

جدل حول المطابقة للنصوص الشرعية

ينص مشروع القانون الجديد الذي يضم 55 مادة على أن "كل من يتزوج فتاة دون الثامنة عشرة (18) من العمر، يعاقب بالحبس ستة (6) أشهر إلى سنة (1) وبغرامة عشرين ألف أوقية إلى خمسين ألفاً أو بإحدى هاتين العقوبتين، من دون المساس بأحكام مدونة الأحوال الشخصية".

كما ينص في مادة أخرى على أن "كل من يحرم امرأة أو فتاة من ممارسة الحقوق التي يكفلها القانون، يعاقب بالحبس ستة (6) أشهر إلى سنة (1) وبغرامة عشرة آلاف أوقية إلى عشرين ألفاً أو بإحدى هاتين العقوبتين".

ويرى محفوظ ولد الوالد الملقب بأبي حفص الموريتاني الذي كان ثالث رجل في "تنظيم القاعدة" أن القانون الجديد يتضمن مواد مصادمة للوحي وتبديلاً للشرع، ومروقاً من أحكام الإسلام وخروجاً على قيم المجتمع وتھدیداً لكيان الأسرة وظلماً للرجل والمرأة معاً.

كما يرى ولد الوالد أن مثل هذا القانون من أسباب الاضطرابات الأمنية وإثارة الفتن الداخلية في المجتمعات الإسلامية وخروج الجماعات المسلحة، وما ينجر عن ذلك من تداعيات خطيرة عصفت بدول ومجتمعات، فأهلكت الحرث والنسل، فكيف غابت هذه الحقائق عن أصحاب القرار؟ يتساءل ولد الوالد، وهل من شكر نعمة الرحمن وعافيته في رمضان أن تقابل بهذا الجحود والنكران، يضيف متسائلاً.

وفي إطار الجدل المحتدم علَّق كثيرون من بينهم رؤساء أحزاب سياسية وفقهاء وباحثون في الشريعة بِرُؤاهم في خضم الجدل الدائر حول مشروع القانون هذا.

ويقول المحامي والرئيس السابق لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في البلاد سيد محمد ولد محمد إن على الذين يعارضون مشروع قانون الوقاية من العنف ضد النساء والفتيات الهادف إلى وضع الإجراءات القانونية الكفيلة بحماية الضحايا وتعويضهن عن الضرر ومعاقبة الجناة أن يكونوا أكثر دقة وتحديداً في مآخذهم على هذا المشروع.

ويضيف ولد محمد فيما فهم أنه رد مباشر على الرأي السابق، أن التعبير بأساليب إنشائية وموغلة في التعميم تستبطن تهديدات للمجتمع والدولة فلا تخيف أحداً، وهي أسمى تعبير عن عجز أصحابها عن الإقناع بحجتهم يقول ولد محمد.

ويقول المهدي محيي الدين -حاصل على ماجستير في الشؤون الإسلامية وباحث في سلك الدكتوراه- لـTRT عربي بأنه لم يقف في مشروع القانون الجديد على مادة تخالف أصلاً شرعياً قطعياً، أو نصاً ظاهراً، وغاية أمر بعض مواده تأكيد أصول شرعية في باب الحقوق الزوجية، وهذا داخل ضمن مقاصد الشريعة (الضرورية)، وأكثر موادِّه تدخل ضمن باب سدِّ الذرائع، وهذا داخل ضمن مقاصد الشريعة (الحاجية)، ومنه ما يدعو أولياء الأمور لاحترام حقِّ الاختيار، خصوصاً من هنَّ دون 18 سنة.

ويضيف المهدي أن هذا يدخل ضمن مقاصد الشريعة (التحسينية)، وإذا كان من ملاحظة فهي في إلزامية تحديد السن هذه، ذلك أنّ المصلحة هنا غير منضبطة، وما يصلح لبنت قد لا يصلح لأخرى، وفي تزويج الصغيرة خلاف قديم بين الفقهاء، متمنياً أن لا يكون هذا القانون ورقة بيد المنظمات الحقوقية المحلية والإقليمية للمتاجرة به والابتزاز به، وسلّماً لتفكيك الأسرة المسلمة على حد تعبيره.

الموقف الحكومي

الحكومة الموريتانية قدمت رأيها حول أهمية هذا القانون وضرورته، وأوضحت أن هذا القانون يهدف إلى الوقاية من العنف ضد النساء والفتيات ووضع الإجراءات القانونية الكفيلة بحماية الضحايا وتعويضهن عن الضرر ومعاقبة الجناة.

كما يهدف إلى حمايتهن من أي عنف موجه ضدهن يتسبب أو قد يتسبب في إلحاق أذى أو معاناة بدنية أو جنسية أو نفسية أو أدبية أو اقتصادية أو ثقافية بالنساء والفتيات، بما في ذلك التهديد بمثل هذه الأعمال، أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية سواء في الحياة العامة أو الخاصة.

تصديق في زمن كورونا

هل جاء التصديق على مشروع القانون في زمن كورونا بشكل عفوي يهدف إلى حماية المرأة حقاً؟

تساؤلات أثارها الكثيرون من قادة الرأي ورواد وسائل التواصل الاجتماعي حول النية الحكومية الحقيقية وراء تقديم مشروع القانون في هذه الظرفية.

ويقول مصدر حكومي رفيع من وزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة لـTRT عربي فضّل عدم ذكر اسمه، إن هذا القانون كان محل تنقيح منذ عاد من البرلمان بعد تحفُّظه عليه، وعُيِّنت لجنة متعددة القطاعات من وزارات الشؤون الاجتماعية والعدل والشؤون الإسلامية ومفوضية حقوق الإنسان لمراجعته، وكان مبرمجاً لعرضه على الحكومة بمناسبة عيد المرأة في 7 مارس/آذار 2020، غير أن ظروف كورونا هي التي أجلته، وأنه "مناسب جداً" لتحديد الجزاءات التي تعتقد الحكومة أنها ستشكل ردعاً لمحاربة العنف ضد النساء والفتيات.

ويضيف المصدر الرفيع أن المحتوى الشرعي عُرض على الهيئات الشرعية بعد عمل اللجنة (التي ضمت فقيهاً وقاضياً)، كما أن وزير الشؤون الإسلامية -وهو بالمناسبة فقيه وقاضٍ- أدلى برأيه فيه.

واقع عنيف

الاغتصاب والتحرّش الجنسي والعنف الجسدي والمنع من الميراث والتحكّم في مصير الدراسة والزواج والعمل كلها أشكال متعددة من العنف ضد النساء والفتيات في موريتانيا، حسب منظمات المجتمع المدني، كما أن ذلك لا يقتصر على فئة أو شريحة اجتماعية من دون أخرى، وقد دقت منظماتوهيئات حقوقية عديدة ناقوس الخطر من تداعيات هذا الواقع وتبعاته على النساء وعلى المجتمع.

وتقول حوراء أحميده مسؤولة حقوق الإنسان في هيئة الساحل "هيئة موريتانية ناشطة في مجال حقوق الإنسان" لـTRT عربي، إن انتشار جرائم الاغتصاب بالشكل المخيف اليوم ناتج عن عدة أسباب ومنها ضعف المعالجة القانونية لهذه الجرائم، وكثرة الثغرات الموجودة فيها فيما يخص عقاب المغتصبين، وسهولة الالتفاف عليها، ولهذا وُجد طلب ملحٌّ بسَن قانون جديد أكثر إنصافاً للنساء ضحايا العنف والاغتصاب.

وتعتقد حوراء أن مشروع القانون إذا ما صُدِّق عليه من طرف البرلمان، يكون قد عزز وصول ضحايا الاغتصاب إلى العدالة والإنصاف، ذلك أنه أقر وسائل إثبات حديثة (DNA)، وعاقب التستر على جرائم الاغتصاب والعنف، كما يضمن الرعاية الصحية والنفسية والدعم الاجتماعي للضحايا، وهذه أمور كانت غائبة وسبباً في ضياع حقوق الكثير من الضحايا.

فراغ قانوني

اعتمدت موريتانيا بموجب القانون رقم 052/2001 مدونة للأحوال الشخصية لحماية الأسرة، كما نفذت العديد من البرامج التهذيبية لمحاربة العنف ضد النساء والبنات، إضافة إلى تنظيم تشاور موسع مع العلماء وقادة الرأي وتعزيز أطر التنسيق والتشاور من خلال إنشاء منصات متعددة القطاعات، وعلى الرغم من ذلك فقد بقي الفراغ القانوني حول حماية المرأة قائماً ومطلباً.

وفي ردها على سؤال لـTRT عربي حول الجدل الدائر الذي فرضه مشروع القانون الجديد، تقول الأستاذة الجامعية ندى المنى إن القانون الموريتاني في وضعه الحالي لا يوفر الحماية للمرأة، وكان حتماً على الحكومة إعداد مشروع قانون لمحاربة العنف ضد النساء والفتيات.

وترى ندى أن مشروع القانون يسد فراغاً قانونياً كبيراً مع موافقته الدين الإسلامي الحنيف، ويأخذ في الحسبان التطورات على المستويين العلمي والاجتماعي، وضرورة تمكين المرأة و ضمان أن تضطلع بدورها في المجتمع بصفة عامة.

وتستغرب الفنانة والناشطة الحقوقية فنفونه بوب جدّو من ردود الفعل القوية تجاه مشروع القانون الجديد، فهو في رأيها يحمي النساء وعِرضهن وشرفهن.

وتعتقد فنفونه أن المرأة بحاجة اليوم إلى قانون يحميها من العنف في ظل تغير الحياة وأنماطها عن السابق.

جلسات ساخنة

يترقب الشارع الموريتاني خلال الأسابيع القادمة، جلسات ساخنة في البرلمان الموريتاني حول القانون الجديد أثناء عرضه العلني لمناقشته والتصويت عليه، فأصداء الجدل تبدو عالية حوله، فقد عبر برلمانيون كثر عن مواقف متباينة حوله.

ويرى النائب البرلماني محمد بوي ولد الشيخ محمد فاضل في رد على سؤال لـTRT عربي أن القانون الجديد يعالج الفراغ القانوني حول حماية المرأة في البلاد، وهو مفقود في البنية القانونية الموريتانية، ولكن يجب أن تكون تلك الحماية من محددات الشريعة الإسلامية وتتطابق معها وتحترم المجتمع والعادات الشرعية لدى الموريتانيين، بينما صرح برلمانيون على المستويين العلني والخاص عن رفضهم لمشروع القانون، واعتبروا أنه مخالف للنصوص الشرعية والعادات المجتمعية، ويفتح الباب أمام تفكك الأسرة وضياع الفتيات والنساء.

وتشهد العاصمة نواكشوط بين الفينة والأخرى مسيرات مطالبة بوقف العنف ضد المرأة، ومن المؤكد أنها ستشهد في الأيام المقبلة نقاشاً أوسع وجدلاً أكبر حين يُعرَض القانون في جلسة علنية أمام البرلمان.

TRTعربي