حتى اذا ادركه الغرق...

أحد, 03/05/2020 - 11:29

الراصد : حين ترى تقلب الحال ولاء ، وتغيره عداء ، تدرك أن البيئة تحتاج إلى تعقيم في زمن الأوبئة ، ليس حرصًا على الفيروس ، ولا خوفا منه ، ولكن حماية للمجتمع من مخلفات الأوبئة ، الأمر الذي يحتم معالجة مخلفاتها ، بما يتطابق مع المعايير المقبولة أخلاقيًا ، في حدود عدم التفريط في الصالح العام ، أو عدم السماح بالضرر ( لا ضرر ولا ضرار ) ..
ومع قيمة ما تتيحه الديموقراطية من حرية ، ووضوح هامشها في عدم الوصاية ، يبقى الخيار حق مربوط بقاعدة " الغنم بالغرم " ، فمن نال مكانة بشطارته ، وخاض تجربة بحريته ، لا يستطيع التخلص من التزاماتها الأخلاقية والسياسية بإرادته ، انطلاقًا من موقعه في أحد الطرفين موالاة أو معارضة ؛ لذلك يظهر أن من هم بين المنزلتين " أمة وسط " لم تستملهم مغريات الموالاة مع توفر شروطها فيهم ، كما لم يستسلموا لراديكالية المعارضة إدراكًا منهم لحالة العجز الذي تعيشه ، فكان تأسيسا لنمط موضوعي ، يعتبر ميزة لا نقصًا ..
والمشهد يعكس أن للسياسة في بلدنا نصفان :
أحدهما : الاستقامة والنزاهة والمبدئية ، وهو نادر وغير مرغوب ، عدا من تجارب تعد على رؤوس الأصابع .
ثانيهما : التملق والتمصلح والبحث عن الوظائف العليا ، أو الصفقات الكبرى ، أو التحكم والسلطة ، وهو النصف المليء ، الذي يتبارى فيه القوم ويتصارعون ، مرتبط بالتلون ، معتمد على الخيانة والكذب ، قائم على السرقة ، قوي بالجوسسة ...
وأغلب السياسيين الموريتانيين حالهم في التلون مع الأنظمة ، أو التمسك بالمعارضة ، حالة عذابية ، كلما نضجت جلودهم السياسية واهترأت ، بدلوا جلودا غيرها ؛ ليذوق الموالون إهانة وإذلالًا دائمين، ويزداد المعارضون فشلًا وانحسارًا مهينين ..
فعندما يصف السياسي نفسه بالكامل فاعلم أنه ذاق ذل الموالاة تملقا ، وفشل المعارضة عجزا ، فقد والى رغبة ، وعارض يأسًا ..فسافر في رحلة تذكرتها القبيلة ، وزادها الجهوية ، وسلمها النفاق ، ونهايتها التنكر ! 
ونحن أنصاف السياسيين ، والساكنون بين المنزلتين ، وأصحاب المستوى المتوسط ، فخورون بموقعنا ، الذي لا يباع ولا يشترى ، ورغم بطء مجراه إلا أنه مستمر " أصله ثابت وفرعه في السماء " لا نعبر عنه بالمزاج ، ولا نسترخي به نومًا عميقًا ..
ومن أراد قياس مستويات القوم ، فليعلم أن ما يمارسوه سُطِّر في أساطير اليونان ، فلا يحتاج جهدًا  كبيرًا لمعرفته ، وإن اعتبر إطعام من جوع وتأمين من خوف ، كصفات إلهية حميدة ، فما هو إلا خطيئة بروميثيوس الكبرى التي هي سرقة النار ؛ إذ بعد أن أعطى كل تلك العطايا والهبات لنفسه ومقربيه، وجد أن ما ينقصهم هو الضوء أو النار ، لكنهما كانا موجودين فقط في جبال الأوليمبس، وكانا ملكاً عاما للشعب يديره كبير الآلهة زيوس، ويحرسهما إله الحدادة هيفاستوس ، الذي كان مكلفاً بعملية الاشتراك في الخدمة وإصدار الفواتير لزيوس ، ومع ذلك لم يجد بروميثيوس ضرراً من سرقة شعلة منها لإعطائها للعائلة والمقربين ، توفيرًا  للوقت والمال ، فتسلل إلى كهف هيفاستوس في جبال الأولمبس واستغل الثقة الممنوحة له ، وطاعة بعض الحراس ، ليسرق شعلة من الضوء والنار ، ويخفيها في عصا مجوفة كان يحملها له بعض الحراس الخونة ، غير أنهم بالغوا في الصهر والطهي ، فوصلت رائحة الشواء إلى الأوليمبوس ،  فعلم زيوس بخيانة بروميثيوس وقرر معاقبته ، فلم يبق أمامه إلا أن يعرض عليه تقاسم السبائك المصهورة و اللحوم الشهية ، مقابل الاحتفاظ بالنار والضوء المسروقين ، وهنا بدأ بروميثيوس بتقديم القرابين لكبير الآلهة زيوس ، فبكم سيكتفي من قربان حتى لا يحوله من بروميثيوس إلى هيرميس ؟ ومتى سيسامح هيفايتوس على ما تعرض له في غفلة من بروميثيوس ؟ علمًا بأن آريس ينتظر دوره في الأخير !
النائب
محمد بوي الشيخ محمد فاضل