الشباب الموريتاني بين البطالة و سطوة المجتمع

خميس, 11/12/2025 - 00:02

الراصد : لم يعد الشباب الموريتاني اليوم يعيش أزمته في حدود البطالة وحدها، بل بات محاصرًا بثنائية قاتلة: ضغط الواقع الاقتصادي من جهة، وسطوة المجتمع وقيمه الاستهلاكية المتضخمة من جهة أخرى. وبين هذا وذاك، يقف الشاب حائرًا، تائهًا، مثقلاً بالحلم والخوف معًا؛ يحمل شهادة في يده، وقلقا في اليد الأخرى، ليصطدم بجدار سميك اسمه البطالة.
أمام هذا الواقع القاسي، يصبح الشاب مخيّرًا بين خيارين أحلاهما مرّ:
إما البقاء في وطنٍ لا يرحم العاطلين،
أو الهجرة بحثًا عن كرامة مفقودة.
وكأن قدره أن يموت مرتين:
مرة تحت وطأة غربة السنين الطوال،
ومرة تحت ضغط سباق الثراء السريع لإرضاء مجتمعٍ لا يرحم الفقراء.
وهكذا تتحول الغربة من حلم بالخلاص إلى قدر ثقيل طويل المدى، يلتهم العمر والسنين، ويترك خلفه أمهاتٍ ينتظرن، وآباءً يذبلون، وأحلامًا تُؤجَّل إلى أجلٍ غير مسمى.
في مجتمعٍ كان يُقاس فيه الإنسان يومًا بالأخلاق، وبالعلم، وبالمروءة،
أصبح اليوم يُقاس بما يملك لا بما يكون.
ومن هنا يبدأ القتل المعنوي…
هذا التحول القاسي في سلّم القيم يدفع الكثير من الشباب إلى سباق محموم نحو الثراء السريع، ولو كان عبر طرق محفوفة بالمخاطر. فالغربة لم تعد مجرد تعب جسدي، بل تحولت في كثير من الحالات إلى بيئة خصبة للضياع. حين يُسحق الشاب نفسيًا تحت ضغط العمل القاسي، وبعد الأهل، وغياب الاحتواء، يصبح فريسة سهلة للإدمان والمخدرات والانحراف.
كم من شاب خرج باحثًا عن الأمل…
فعاد جثةً في ظروف غامضة،
أو عاد حطامًا نفسيًا لا يعرف كيف يبدأ من جديد،
أو سقط ضحية المخدرات بعدما ظن أنها ستخفف عنه ثقل الغربة.
والأكثر مأساوية أن بعض من كُتب لهم أن يعودوا بالمال، لا يعودون بالوعي ولا بالتجربة الإيجابية، بل يعودون أسرى ثقافة الاستعراض والتبذير، يهدرون ما جمعوه في سنوات الغربة ليُثبتوا للمجتمع أنهم نجحوا ولو على حساب مستقبلهم واستقرارهم النفسي والاجتماعي. وكأن المجتمع لا يعترف بالنجاح إلا إذا كان صاخبًا، استهلاكيًا، وفجًّا.
فمن المسؤول؟ وإلى متي؟