
الراصد : أحالت النيابة العامة في ولاية نواكشوط الغربية ملف المختبر الجنائي للشرطة إلى إدارة شرطة الجرائم الاقتصادية والمالية، وأمرتها بالتحقيق مع جميع المشمولين في القضية، وإحضارهم فورًا. خطوة تبدو في ظاهرها مسارًا قانونيًا عادياً، لكنها في نظر كثيرين إجراء غير مألوف وغير سليم، إذ كيف يُعهد لشرطةٍ بالتحقيق في ملف متهم فيه منتسبون لنفس الجهاز؟ من ضمنهم المدير العام السابق للأمن الوطني وهو ضابط سامي برتبة فريق من الحرس الوطني، ولا يجوز للشرطة التحقيق مع العسكريين.
وتستعد شرطة الجرائم الاقتصادية لبدء استدعاء الشخصيات الواردة أسماؤها في الملف خلال الأيام القادمة، في واحدة من أكبر قضايا شبهات الفساد داخل قطاع الأمن، حيث وصلت العمولات المرتبطة بصفقة المختبر أكثر من 2.5 مليون يورو.
● ملفٌ يهتز تحت أقدام الأجهزة… وصمت الوزير يثير الشكوك
جاءت الإحالة بعد أيام قليلة من وصول الملف إلى الادعاء العام بالمحكمة العليا، وبعد تأكيد وزير الداخلية محمد أحمد ولد محمد الأمين أمام لجنة برلمانية بأن تحقيق الأمن الوطني قد اكتمل وتمت إحالته للقضاء. الوزير تحدث بثقة عن “الإجراءات المناسبة” التي اتخذتها إدارة الأمن، لكنه تجنب الكشف عن طبيعتها، ما فتح الباب أمام تفسيرات عديدة، بعضها قانوني… وبعضها سياسي.
من أين بدأت القصة؟
القضية تعود إلى ديسمبر 2024، حين كشفت وكالة الأخبار المستقلة أن تكلفة إنشاء مختبر جنائي للشرطة تضاعفت بطريقة مريبة بسبب عمولات بلغت:
- 2.5 مليون يورو
- 500 ألف دولار
وتقول الوثائق إن الوزير السابق سيدي ولد ديدي – الذي قدّم نفسه ممثلًا لمدير الأمن العام الجنرال مسقارو ولد اقويزي – قبض وحده:
- 1.5 مليون يورو
- 500 ألف دولار
بينما حصل الوسيطان الكاتب الصحفي أحمد الشيخ وصديقه السني عبدات على 300 ألف يورو لكل واحد منهما.
وفي أكتوبر الماضي، فجّرت منظمة الشفافية الشاملة تفاصيل أكثر خطورة، حين قدم رئيسها محمد ولد غده وثائق وتحويلات مالية “أصلية” من تركيا تؤكد شبهات الفساد في الصفقة التي تمت بين الشرطة الموريتانية وشركة Genomed البريطانية ومديرها حسين أوغلو، وشركة Omega التركية المنفذة من الباطن.
● إحالة مثيرة للجدل… قانونيًا وسياسيًا
ورغم كل هذه المعطيات، جاءت إحالة الملف إلى شرطة الجرائم الاقتصادية لتثير جدلاً واسعًا:
- محامون يعتبرون الخطوة غير سليمة:
لأن التحقيق يجب أن يتم عبر جهة محايدة تمامًا، وربما كان الأنسب أن يُحال الملف إلى الدرك الوطني كجهة أكثر صرامة أو حتى إلى قضاة التحقيق مباشرةً. - محللون يرون أن الأمر يحمل رسائل سياسية داخل النظام:
فالبعض يعتبر أن الإحالة تأديبٌ مبطنٌ للجنرال مسقارو ولد اقويزي، أو على الأقل محاولة لكبح نفوذه بعد ماقدر منه من تقارب مع سيدن عالي ول محمد خون أحد قادة جماعة الرئيس السابق محمد ول عبد العزيز
كما يرى آخرون أن الملف يُستخدم أيضًا لإيقاف صعود الوزير مرزوك سياسيًا، بعد أن أصبح يُنظر إليه باعتباره من الأسماء المرشحة لخلافة الرئيس الحالي .
● قضية فساد… أم تصفية حسابات؟
بعد أشهر من التسريبات، الوثائق، الاتهامات، والتحقيقات الداخلية التي بقيت غامضة، يبدو أن ملف “مختبر الشرطة” لم يعد مجرد صفقة مشبوهة، بل نافذة تطل على صراع أجنحة داخل الأجهزة الأمنية والدوائر الحكومية.
وفي ظلّ هذا المشهد المضطرب، يبقى السؤال الأكبر:
هل ستنجح الشرطةٌ في التحقيق مع نفسها؟ أم أن الملف مجرد أداة للضغط السياسي، ستغلق في النهاية كما أُغلقت عشرات الملفات قبلها؟
وكالة الإتحاد الإعلامية
