الخط الداخلي الذي يتهدد غزواني.....

خميس, 07/08/2025 - 23:46

الراصد : تشير الوقائع السياسية والإدارية المتراكمة إلى مفارقة مثيرة للقلق داخل المنظومة الحاكمة في موريتانيا، مفارقة تزداد وضوحا مع مرور الوقت: هناك جناح داخل حكومة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وضمن أغلبيته كذلك، يعمل بأسلوب خفي وممنهج على تقويض مشروعه السياسي، وتآكل صورته أمام الرأي العام، عبر استراتيجيات ناعمة تتقاطع فيها المعلومة المغلوطة، والقرار المؤجل، والإخفاق الموجه.

إن هذا الجناح لا يعارض المشروع الرئاسي من الخارج، بل يتحرك من الداخل، من قلب الدائرة، حيث النفاذ إلى دوائر القرار، وحيث تدار ملفات الدولة الحساسة.

وخطورته لا تكمن في عدائه العلني، بقدر ما تأتي عبر ابتسامته الماكرة، وفي نصائحه التي تبعد الأكفاء وتقرب الانتهازيين، لتبقى السلطة محاطة بمن يفتقرون للرؤية والكفاءة، لكنهم يمتلكون حرفة الولاء المزيف.

إن حادثة إعلان اكتمال مشروع توسعة شبكة مياه نواذيبو، والتي اتضح لاحقا أنها لم تكتمل بعد، تمثل لحظة تعرية: لقد استدرج الرئيس فيها إلى إعلان مضلل، أمام شعبه، وبناء على معلومات زُودت له من داخل الحكومة.. في محاولة منهم إلى أن تهتز صدقية خطاب رأس الدولة ذاته.

وفي سياق أزمة الطمي في نواكشوط يكشف الباقي من الصورة.. مؤسسات فنية حذرت مبكرا، وبيئة تشغيل متآكلة كانت تتطلب تدخلا عاجلا، لكن المعنيين تعاملوا ببرود وتباطؤ حتى بلغت الأزمة ذروتها، لتجد العاصمة نفسها أمام مشهد عطش جماعي، في توقيت بالغ الحساسية.

إن التقصير هنا لا يفسر إداريا فقط، بقدر ما يتجاوز ذلك إلى احتمالات التعمد أو اللامبالاة المقصودة، خدمة لأجندة لا ترى في الاستقرار سوى ورقة للمساومة.

ومع التراكم الوظيفي لهذه السلوكيات، تبرز فرضية أكثر تعقيدًا:
أن بعض الأطراف داخل النظام الحالي لا تعمل لمصلحة الرئيس الغزواني، بل تشتغل بهدوء لما بعده، في مشهد سياسي يبدو فيه "الولاء" مجرد واجهة تكتيكية، فيما التموقع الاستباقي هو الهدف الاستراتيجي.

إن إشارات التقارب غير المعلنة، والمواقف الرمادية لبعض المحسوبين على النظام تجاه القوى المعارضة، وحتى "المغاضبة" منها، توحي بإمكانية تشكّل تحالفات مستقبلية، قد تخرج من رحم المنظومة الحالية نفسها.
هؤلاء لا ينظرون إلى ولاية الرئيس كغاية، بل كنقطة عبور؛ يعملون على تثبيت أقدامهم الآن، وتأمين مواقعهم لاحقًا، وربما المساهمة في هندسة مرحلة "ما بعد الغزواني"، من خلال تقاطع المصالح مع معارضين تقليديين، وسجناء سياسيين سابقين، وغيرهم ممن يمكن إعادة تدويرهم سياسيا تحت لافتات وعناويت جديدة.

وما يزيد الصورة قتامة هو ما تردد عن إبعاد الأطر والكفاءات الوطنية المؤهلة، تحت ذرائع تتعلق بـ"التجديد" أو "التوازن"، في حين أن المقربين من القرار، والذين نصبوا أنفسهم أوصياء على خيارات الرئيس، يتحركون برؤية فردية، تحافظ على مواقعهم وتعرقل أي مشروع قد يهدد نفوذهم داخل الدولة.

ولذلك، فإن التعديل الحكومي المنتظر لا ينبغي أن يكون تعديلا في الأسماء فحسب، بل في المنهجية والرؤية والتوجه العام.

والمطلوب والمتطلب هو مسح للطاولة بكل ما تعنيه الكلمة، والخروج من منطق الترضيات إلى منطق الإنقاذ المؤسسي، حماية لصورة الرئيس، ولما تبقى من رصيد الثقة في الدولة.

وإنَ تأخر هذه المراجعة الحاسمة لا يعني سوى استمرار التآكل من الداخل.. والتاريخ السياسي، في موريتانيا وخارجها، حافل بالنماذج التي تؤكد أن أعنف الخناجر لا تأتي من خصوم السياسة، بل من "الحلفاء" الذين يبتسمون في الضوء، ويطعنون في العتمة.

-سيدي عثمان ولد صيكه