
الراصد : مع اقتراب موعد التصويت على مشروع قانون التصريح بالممتلكات، تبرز ضرورة ملحّة لإدراج نواب الجمعية الوطنية ضمن الفئات الملزمة بهذا التصريح. ولا تكمن أهمية هذا الإجراء فقط في بعده المحلي المتعلق بالشفافية والحكامة، بل أيضًا في التزامات موريتانيا الدولية، التي تجعل من هذا الإجراء التزامًا قانونيًا وأخلاقيًا لا مناص منه.
موريتانيا والتزاماتها الدولية
موريتانيا دولة طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (الأمر القانوني رقم 2006-018 الصادر بتاريخ 17 يوليو 20226) وكذلك في الاتفاقية الإفريقية لمنع ومكافحة الفساد (الأمر القانوني رقم 2006-019 الصادر بتاريخ 17 يوليو 20226). وبموجب القواعد العامة للقانون الدولي وأحكام الدستور الموريتاني، فإن التصديق على مثل هذه الاتفاقيات يُكسبها قوة قانونية تعلو على القوانين الوطنية. وبالتالي، فإن أي مخالفة لمضامينها أو إخلال بتطبيقها يُعتبر خرقا للدستور وقد يُعرّض البلاد لمساءلة دولية ويقوّض مصداقيتها في المحافل الأممية.
نص الاتفاقيتين
كلا الاتفاقيتين، الدولية والإفريقية، تنصان في المواد 2 و8 بالنسبة للأولى و1 و7 بالنسبة للثانية على ضرورة إلزام المسؤولين العموميين، من برلمانيين وقضاة وإداريين، بالتصريح بممتلكاتهم في ثلاث محطات رئيسية:
• قبل تولي المنصب
• أثناء مزاولة المهام
• وعند انتهاء الخدمة
هذه النصوص لا تترك مجالًا للبس أو التأويل، بل تؤكد على أن الشفافية المالية للمسؤولين التشريعيين ركن أساسي في الوقاية من تضارب المصالح والإثراء غير المشروع.
التجارب الدولية
أغلب دول العالم، كأمريكا وفرنسا وألمانيا وكندا والبرازيل، وخصوصا دول الجوار كالمغرب والجزائر والسنغال، تُلزم نوابها البرلمانيين بالتصريح بممتلكاتهم، إدراكًا منها بأن الشفافية ليست ترفًا قانونيًا، بل حجر زاوية في بناء ثقة المواطن بمؤسساته.
هذا التصريح يتيح للمواطنين وللجهات الرقابية متابعة تطور الذمة المالية للمسؤولين، ويُشكل حاجزًا نفسيًا وقانونيًا أمام كل من تسوّل له نفسه استغلال المنصب لأغراض شخصية.
الشفافية وحماية المال العام
التصريح بالممتلكات لا يعني الاتهام المسبق، بل هو آلية وقائية تعزز الثقة وتحفز على الحكامة الجيدة. وإدراج النواب ضمن الملزمين لا يقلل من مكانتهم، بل يعزز مصداقيتهم ويؤكد احترامهم لمبدأ المساءلة أمام ناخبيهم.
لذلك سيكون عدم إدراج النواب في قائمة الملزمين بالتصريح بالممتلكات خرقًا واضحًا لالتزامات موريتانيا الدولية، وتفريطًا في رافعة قانونية مهمة لحماية المال العام وتعزيز النزاهة.
الدكتور إدريس ولد حرمة