الخبير التربوي المختار أوفي: الوضع السيئ للمدرس وراء الحالة المزرية للتعليم (مقابلة)

أحد, 31/03/2024 - 10:25

الراصد : إصلاحات التعليم  كانت معبرة عن إشكالات ورهانات السياسيين.

- كرامة المدرس ورفعه للمستوى اللائق به أساس نهضة التعليم. 

- جامعاتنا ما تزال بعيدة جدا عن الدخول في سباق الترتيب العالمي.

- المقاربة الأمنية الموريتانية، كانت جيدة جدا في التصدي للإرهاب. 

- المطلوب تكوين الشباب أولا قبل تشغيلهم

قال الخبير التربوي الدكتور المختار ولد أوفي إن طريق النهوض بالتعليم في موريتانيا لا بد أن يبدأ من استعادة كرامة المدرس وإعادة الاعتبار له، باعتباره حجر الأساس لأي إصلاح منشود، وقاطرة أي جهود لتطوير المنطومة التربوية وجعلها على سكة النجاح والتميز.

وأضاف ولد أوفى في حوار خاص مع موقع الفكر سينشر لاحقا إن كل الاصلاحات التعليمية كانت مجرد رتوش لم تمس جوهر العملية التربوية ولم تعبر عن اهتمامات وحاجات المجتمع الموريتاني بقدر ما عبرت عن إشكالات واهتمانات السياسيين ورهاناتهم على حد تعبيره.

ودعا الخبير التربوي ولد اوفى إلى الاهتمام بالتكوين المهني، والتركيز على حاجة سوق العمل كموجه للتخطيط التربوي، والتوجه لإحلال اللغة الانجليزية محل الفرنسية على غرار ما تبنته دول إفريقية كروندى.

وتطرق الحوار إلى واقع التعليم الجامعي، والوضع الأمني في منطقة الساحل، واتفاق الهجرة مع الاتحاد الأوربي وغيرها من موضوعات هامة وهذا نص الحوار: 

موقع الفكر: نود منكم تعريف القارئ بشخصكم الكريم، من حيث الاسم وتاريخ الميلاد وأهم الشهادات التي حصلتم عليها، وأهم الوظائف التي تقلدتم؟
الدكتور المختار أوفى:  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله،

الاسم المختار بن محمد شيخنا بن أوفى ولدت في منطقة إكيدي شمال مقاطعة المذرذرة،  حيث درست الابتدائية في مدرستها الأثيرة، قبل أن أحصل على شهادة ختم الدروس الابتدائية، لأتوجه بعدها إلى مدينة لكوارب، حيث درست هناك الإعدادية والثانوية، وأقمت فيها أربع سنوات، قبل أن ألتحق بمدرسة تكوين المعلمين في العاصمة نواكشوط، لأتخرج منها بعد ثلاث سنوات، وفي تلك السنة شاركت في امتحان شهادة البكلوريا الآداب العربية، وكانت تلك أولى سنة تنظم فيها الباكلوريا في موريتانيا، بعد أن كانت تنظم بإشراف من أكاديمية بوردو الشهيرة، وينظمها فرنسيون.

في هذه السنة 1974، نلت البكالوريا، ثم التحقت بعد بمدرسة تكوين الأساتذة، وتخرجت منها بعد أربع سنوات، قبل أن التحق بجامعة محمد الخامس، حيث حصلت على شهادة استكمال الدراسات العليا، وهي شهادة تؤهل للتسجيل في الدكتوراه، حيث التحقت بمعهد اليونسكو في باريس للإداريين والمخططين في التعليم، في تخصص الإدارة والتخطيط التربوي، قضيت فيه سنة أو تزيد.

وهنالك أكملت سنة تربوية، قبل أن ألتحق بعدها تكوينا لمدة ثلاثة أشهر في مكتب اليونسكو في دكار، زيادة على سنة دراسية للإدارة والتخطيط المدرسي في الإدارة والتخطيط التربوي في الجامعات التونسية قبل أن ألتحق بتكوين طويلا في إحدى الجامعات،  ثم عدت إلى وزارة التهذيب الوطني إداريا وخبيرا تربويا في مكتب المناهج الذي لم يعد موجودا.

بعد ذلك بفترة وجيزة التحقت بالجريدة الرسمية  التابعة لرئاسة الجمهورية مديرا للترجمة، قبل أن أعود إلى التعليم مديرا للتعليم الثانوي لمدة سبع سنوات، قبل أن أغادر إلى القطاع الخاص، حيث أسست مع زميل لي معهدا للتكوين، ولمدة أربع أو خمس سنوات، حيث كانت التجربة رائدة ومهمة.

ومع بداية الألفية الحالية ذهبت إلى الخارج، وعملت في منظمات دولية مهتمة بالساحل، وخصوصا في مالي وبوركينافسو، وعملت معها قرابة عشر سنوات، وكنت مسؤول العلاقات مع المجتمع المدني والشيوخ والمحاظر والمدارس القرآنية، كما عملت أيضا مسؤولا عن علاقات تلك المنظمات مع السجناء، وخصوصا أولئك الذين دخلوا السجن بعد الأحداث الموسومة بالإرهاب.

إضافة إلى مسؤوليات أخرى، فيما يتعلق بملفات متعددة، قد يضيق المجال عنها.

موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع التعليم؟

الدكتور المختار أوفى: لا خلاف بين اثنين الآن على أن وضعية التعليم مزرية جدا، وحتى المسؤولين عن ملف التعليم لا يترددون في وصف حاله بالمزري، وأن المستويات في انحدار شديد، وأن شركاء العملية التربوية عازفون عن المدرسة، وغير متحمسين لها.

لكن هذا لم يأت بين ليلة وضحاها، بل حصيلة ظروف وسياسات وأسباب متعددة، ولعل من أبرزها في نظري:

  • الوضع السيئ للمدرس: رغم أن بلادنا خرجت أعدادا هائلة من العلماء في ظرف غير موات وحياة أبعد ما تكون عن الرفاهية، إلا أن إحساس الشيخ والأستاذ المحظري بمسؤوليته تجاه الدين والمجتمع كان عاليا وضميره العلمي كان حيا ومؤثرا، وقد فقدنا هذه الميزة، لأن المدرس الآن مجرد موظف لدى الدولة، فقير ومنظور إليه من الناس بازدراء، وإنما ساقه إلى التعليم الاضطرار، ويسعى أيضا إلى مغادرته متى توفرت له ظروف أو حد أدنى من الكفاف الذي يغنيه عن مقاساة يوميات التدريس، والمهن التي كانت في حضيض سلم الترتيب الاقتصادي، باتت أكثر دخلا وقيمة للمدرسين من التعليم، وبذلك فقدت الرسالة التعليمية من يمكن أن يحملها.
  • الوسائط الاجتماعية: أصبح الأهالي يقتنون هذه الوسائط والوسائل التي تغني عن المدرسة، وتشغل الأوقات بما لا يفيد، وجاذبيته مسيطرة على الطفل والفتاة والمراهق وفي التنافس بينها وبين المدرسة، فإن حظ المدرسة ضئيل وصعب على نفس المراهق.
  • الميزانية القليلة: مقارنة مع ضخامة المهمة وصعوبة المسؤولية، حيث أن الدولة تخصص ميزانية كبيرة للجيش وعتاده، ويمكن أن تقارن بين ميزانية الجيش، وميزانيات التعليم خلال السنوات الأخيرة، وكيف يمكن أن نحسن من التعليم ونحن نضن عليه بما ينبغي أن يوجه إليه، لقد كنا نطمح خلال الثمانينيات أن تكون ميزانية التعليم ثلث ميزانية الدولة الموريتانية، ولئن كانت وصلت لنسبة 19% في تسعينيات القرن الماضي،  فإنها الآن لا تصل إلى 12%.

موقع الفكر: ما تقويمكم للإصلاحات التربوية التي قيم بها، وما العوامل التي أدت بها جميعا إلى الفشل؟

الدكتور المختار أوفى: العامل الذي أدى إلى فشل ما يسمى إصلاحات التعليم وخصوصا ما بين 1967-1999، كانت إصلاحات سياسية، تستهدف الجانب اللغوي فحسب، ولم تكن إصلاحات تربوية.

وكان الجوهر الأساسي في هذا المجال هو الطموح والرؤية السياسية للتيار الذي تنطق اللغة بلسانه، أو تعبر عن هواه السياسي، وهكذا تم تعريب كل شيئ، عندما تحكم القوميون العرب في السلطة، وأهملوا اللغات الأجنبية، وعندما قويت شوكة الفرنكفونيين، عادت اللغة الفرنسية قوية ومسيطرة، وذهبت أجيال كثيرة وطاقات وجهود وآمال أمة وطموحات شعب وتنمية بلد، نتيجة تبادل المواقع، وتغير واجهات السلطة، ورهاناتها.

وأجزم أن البعد التربوي كان الغائب الأبرز في مختلف هذه التغييرات التي سميت تجاوزا إصلاحا.

لقد كان الإشكال اللغوي الشجرة التي حجبت الغابة، فأهمية اللغة لا تخفى علي أي أحد، لكنها ليست كل شيئ في الإدارة والتخطيط التربوي، وهكذا فقدنا في النهاية الرؤية اللغوية، وحصدنا ضعفا شديدا ومؤلما في مكتسبات التلاميذ والمدرسين في اللغة العربية والفرنسية.

موقع الفكر: ما الأسس الموضوعية والفنية للإصلاح الجاد( العناصر اللازم توفرها لكي يبلغ الإصلاح الغايات والأهداف المؤملة)؟

الدكتور المختار أوفى: في تصوري أن الإصلاحات الماضية كانت معبرة عن إشكالات ورهانات السياسيين، ولم تنبع أبدا من حاجيات المجتمع، وحاجيات المجتمع هي المعبر الأساسي نحو أي إصلاح تعليمي يمكن أن تقاس نتائجه وتتجه إلى الإيجابية.

وعلى سبيل المثال هنالك الكثير من الفرص في الأسواق يشغلها الأجانب، وسيشغلونها أكثر إذا تدفقوا إلى البلاد، ومسار التكوين لا يغطي إلا نسبة ضئيلة جدا، بينما يرتفع مسار التكوين في الدراسات العليا، وفي تخصصات لا علاقة لها بسوق العمل ولا مردودية لها على الاقتصاد.

والحاجة الآن هي إلى تعليم فني مهني متطور، إن الآفاق الاقتصادية الواعدة للبلاد، تحتاج شبابا متعلما فنيا، وليس إلى حملة شهادات عليا فقط.

هنالك حاجة إلى تعليم نوعي في مجال الإلكترونيات، والميكانيكا،  والكهرباء والحاسوب والبناء وغيرها.

موقع الفكر: هل المشكل اللغوي مشكل تربوي أم سياسي؟

الدكتور المختار أوفى: بشكل عام الطرح العام للقضية اللغوية، كان طرحا سياسيا، تغلب المزايدة فيه على الممارسة والصدق المهني، فنجد المعرب المطالب بالتعريب، وأبناؤه مسجلون في مدارس فرنسية.

نحن نفقد الكثير من الوقت في محافظتنا على الفرنسية، وينبغي أن نقتدي برواندا التي نهضت من كبوتها السياسية والاقتصادية، بعد أن غادرت المربع الثقافي الفرنسي، واعتمدت اللغة الإنكليزية لغة تعليم،إنني داعم وداع تماما إلى ترسيخ ومركزية اللغة العربية، لكن لا بد من الانفتاح الفني والنوعي تجاه اللغات، وخصوصا الإنكليزية والصينية، فاللغة الفرنسية الآن في انحطاط شديد، وانهيار ثقافي واقتصادي، واستمرار التدريس بها، استمرار وتوسيع وتعميم للفشل التربوي والتنموي.

موقع الفكر: ما ذا عن واقع موظفي التعليم، وهل تحقق الدولة كمشغل الحد الأدنى من الرضى المهني- الضروري للمردودية- للعاملين في المجال التربوي مثل الرواتب المجزية الضمان الصحي، العناية بالأسرة، المعاشات، التحفيز، التكوين المستمر، الترقي في السلم الوظيفي،  هل يمكن النهوض بالتعليم بموظفين يعيشون واقعا مثل واقع المدرس؟

الدكتور المختار أوفى: الإصلاح لا يمكن أن ينهض إلا على كرامة المدرس:

 إن المعلم والطبيب كليهما   لا ينصحان إذا هما لم يكرما

فاصبر لسقمك أن أهنت طبيبه  واصبر لجهلك أن أهنت معلما

وإبقاء المعلم في آخر الطابور، يعني بالضرورة إبقاء التعليم في الذيل والحضيض.

صحيح أن هنالك تحسنا كبيرا في الوسائل والمنشآت، وغلاء غير طبيعي في إنجازها، فأنا رأيت قبل أيام فاتورة لإنجاز مدرسة من ثمانية فصول في العاصمة نواكشوط، بتكلفة تناهز تسعة ملايين أوقية لكل فصل، والفصول على كل جيدة وجميلة، وهذا التحسن بالغ الأهمية، لكنه ليس حجر الأساس، فالمدرس هو حجر الأساس في كل إصلاح تعليمي، وفي كل نهضة تربوية، ومن أراد البناء على الماء أو الخط على الرمل، فليواصل تهميش المدرس وإهانته، ولن يحصد غير مزيد من انهيار التعليم المنهار أصلا.

وأنا شخصيا وكل من مارس التعليم فإن تكريمنا الذي نجد فيه هو التكريم الشعبي والنخبوي، عندما تدخل إلى مؤسسة عمومية فيقف لك المسؤول تقديرا، ويقول أستاذي، أستاذي.. أتذكر أنك درستني في السنة.

أما التكريم المؤسسي والرسمي والمجتمعي فلا وجود له، هنالك ضرورة لرفع المعلم إلى مستوى التقدير اللائق به، فينال التقديم بين الناس وفي الطابور، وأمام المؤسسات.

موقع الفكر:  إلام  ترجعون الأزمة المستفحلة في نسب النجاح في الامتحانات الوطنية، وهل ترون أن هذه النسب الكارثية للنجاح في الامتحانات مظهرا من مظاهر الفشل أم أنها مظهر مظاهر  الجدية والصرامة في التقويم؟

الدكتور المختار أوفى: أنا نظمت باكلوريا وشاركت في لجان تصحيحها لأكثر من ثلاثين سنة، وكنت في مرحلة أولى دائما رئيس لجنة التصحيح، وبعد ذلك أصبحت مشرفا على تنظيمها على المستوى الوطني، وأعرف وضعية الامتحانات وظروفها.

وفي الامتحانات ينبغي أن ينجح تقريبا أكثر من نصف التلاميذ، لكن الحقيقة المؤلمة أن البكالوريا هي المقياس الحقيقي والفعال لمستويات التلاميذ، حيث يصل  أغلبهم إلى آخر مرحلة في التعليم ما قبل الجامعي، وحينما يصل التلميذ إلى هذه المرحلة، فلا يمكن علاجه أو ترميم ضعفه أو نقصه.

وطريقة تصحيح الامتحانات بدأناها في الثمانينيات، ولم نطور فيها، وهناك أكثر من صيغة لتطويرها، لكننا لم نطور.

ولذلك هنالك ضرورة لمعالجة البرامج، بحيث تكون السنة الأولى للتعليم الثانوي بداية في التخصص بشكل تام وأن تكون موادك الأساسية ثلاث مع اللغة الأساسية لهذا المواد،  بدلا مما هو حاصل حيث تربو المواد على التسع.

والآن هنالك تضخم في البرامج، وكثرة في المواد، زيادة على أن هذه البرامج بعيدة عن محتويات التعليم الجامعي في الدول التي نرسل إليها التلاميذ.

موقع الفكر: التدني الشديد في مستوى جامعتنا والتي تحتل ذيل الترتيب العالمي هل له علاقة بالفشل في المراحل الابتدائية والثانوية أم في إدارة وتخطيط وتمويل قطاع التعليم العالي؟

الدكتور المختار أوفى: الترتيب الجامعي يتم انطلاقا من البحوث والدراسات والجوائز التي حصل عليها الأساتذة، ونسبة نجاح الطلاب في المسابقات الدولية، وغالبية أساتذتنا، ما زال رهين للكتابة باللغة العربية والفرنسية، مما يجعلنا بعيدا عن ميادين ومجالات التبويب والترتيب، وما المانع أن نكتب معارفنا الإسلامية باللغة الإنكليزية لنلفت العالم إلى هذا الثراء المعرفي.

وعموما جامعاتنا ما تزال بعيدة جدا عن الدخول في سباق الترتيب العالمي في مختلف المؤشرات التي تعتمد في الترتيب، وباستمرار ما هو كائن لا غرابة أن نتذيل الترتيب.

موقع الفكر:  ماتقويمكم لنجاعة منتديات التعليم 2021، وما الذي يميزها عن منتديات 2013؟ 

الدكتور المختار أوفى: قبل أسابيع زار موريتانيا نائب رئيس البنك الدولي، ليحتفل مع موريتانيا بستين سنة من تعاونها مع البنك الدولي، وهو أهم داعم للتعليم، وهو مهتم بشكل عام بالأعداد، وليس بالنسب الصافية ولا بالجودة، كما أنهم يعتقدون أن الجودة إنما تكون في المواد العلمية دون غيرها.

وعموما وضعية التعليم لا تحتاج منتديات، لكنها تحتاج قرارات، وهذه القرارات ينبغي أن يكون في تدبير علاقة نوعية مع الممولين.

إن البنك الدولي على سبيل المثال لا يدفع الرواتب ولا العلاوات، لكنه مستعد للإقراض فيما يتعلق بالمنشآت والمباني و التجهيزات الوسائل، وطبعا موريتانيا كانت قبل سنوات مؤهلة للهبات والمساعدات من البنك الدولي، إلا أن تغير ترتيبها الاقتصادي، جعلها الآن في خانة الدول التي تستحق القروض وليس الهبات.

وتدبير القروض يخضع لحركة السوق والمتغيرات السياسية والاقتصادية، ونوعية التفاوض بين الطرفين.

وعموما بشكل عام لم أدع إلى أي من المنتديات المنظمة، وإن كنت حصلت على جميع مقتضياتها ووثائقها، لكن ما يثير المخاوف تجاهها:

  • طبيعة اختيار المشاركين فيها، دون معايير منطقية.
  • عمومية الطرح والتشخيص، وسرعة فترة التقويم، الذي ينبغي أن يكون مرنا وهادئا ومتريثا وغير سريع في الوصول إلى الخلاصات المجتزأة.
  • ينضاف إلى هذا أن منظمي هذه المنتديات هم نفس الفرق التي تعايشت مع إخفاق التعليم، إن لم تكن جزء من صناعة هذا الإخفاق.

وكما يقال " لقد ضاع منك الباب وهو قريب" من يريد إصلاح التعليم عليه أن يبدأ بالمدرس، وأن ترتفع رواتب المدرسين، ليكون حدها الأدنى ما بين 400-500  ألف أوقية قديمة، وهنالك يمكن أن تفرض شروطك، وأن تلزم الجميع بالانضباط، وأن تنتقي أيضا النخبة والأجاويد إلى حقل التعليم، وسترتفع جاذبية التعليم العمومي، وستموت المدرسة الحرة، ويتحقق حلم المدرسة الموريتانية.

موقع الفكر:  إلام ترجعون انسحاب غينيا من منظمة استثمار السنغال، وهل تعتبرونه حدثا عابرا أم أنه قد يقود إلى تطورات أخرى؟

الدكتور المختار أوفى: في تصوري أن أزمة المنظمة بدأت منذ السبعينيات، وهي أن العالم الرعوي انهار منذ سبعينيات القرن المنصرم، إثر سنوات الجفاف، وأصبحت جميع الإثنينات التي كانت تعيش من الرعي، مجموعات مضطهدة، انتقلت من الغنى إلى الفقر، ومن القوة إلى الضعة.

ومع جفاف الساحل، أصبح سكان المراعي شعوبا معزولة، خصوصا أن الدولة الساحلية، اهتمت بالمناطق القريبة جغرافيا من ذراع العواصم، بينما استقرت هذه الشعوب الرحل على الحدود، وهو ما يشمل الطوارق والفولان والعرب.

وبالإضافة إلى هذه الأزمة الصعبة، جاءت أزمة الجزائر التي أفضت إلى ترحيل المقاتلين الإسلاميين من الأراضي الجزائرية إلى منطقة الساحل والصحراء الكبرى، قبل أن تنتقل إلى تحالف وفرع من القاعدة في منطقة الساحل.

ولذلك انتقلت هذه الجماعات من صبغة محلية إلى نظام دولي، ولم تعد الحلول المحلية قادرة على التعامل مع فرع دولي في تنظيم عالمي مسلح.

على سبيل المثال كان مختار بلمختار المعروف ببلعور مقيما في شمال مالي ابتداء من العام1992، لا يثير أزمات كثيرة، وقد وقفت على بعض آثاره هنالك، ومنهم أبناؤه وإحدى زوجاته، كما كان له دور تنموي مع المجتمعات المحلية في حفر الآبار وبعض الخدمات التنموية الأخرى.

ولكن مع التحول الذي قاده موريتاني كان سجينا هنا في العاصمة نواكشوط، ثم استطاع لقاء أسامة بن لادن، وطلب منه تبني الجماعة السلفية للدعوة والقتال، بدأ مسار جديد ومتغير عميق جدا في المنطقة.

وهذا جانب من الأزمة التي تأخذ في عمقها وجها تنمويا بسبب الجفاف والظلم الذي تعرضت له هذه الإثنيات،  وفي بعد آخر جانبا أمنيا وصراع رهانات وتنظيمات دولية.

وهنا بدأت الدولة المركزية في ضعف متواصل، وخصوصا في مالي حيث توالت الانقلابات وضعفت الحكامة،  وكلما ضعفت الحكامة ضعفت الدولة وفرضت الجماعات المسلحة قوتها، قبل أن تتدخل فرنسا لتنقذ العاصمة باماكو سنة 2013، من السقوط بيد الجماعات المسلحة.

وعموما يمكن أن تعرف أن السياسة الفرنسية في المنطقة يخدمها وجود هذه الجماعات والقلاقل الأمنية لأنها تشرع الوجود الفرنسي.

موقع الفكر: هل تعتقد أن هنالك دعما دوليا أو رهانا على هذه الجماعات  من دول غربية أو أنظمة إقليمة؟

الدكتور المختار أوفى: في تصوري أن تأثر هذه الجماعات بالجزائر أكثر من غيرها، ويمكن أن تلاحظ أن الضربات التي تعرضت لها موريتانيا كانت دائما تأتي بعد مواقف أو توجهات موريتانية لا ترضي الجزائر، وقضية لمغيطي إحدى هذه المظاهر، فقد توقف بعدها التنقيب عن النفط والغاز في تلك المنطقة التي لا تريد لها الجزائر أن تستخرج خيراتها حتى لا تنافس اقتصادها النفطي والغازوي.

موقع الفكر: ماتقويمكم للمقاربة الموريتانية في التصدي للإرهاب، مع مقارنتها بدول الجوار؟

الدكتور المختار أوفى: في تصوري أن المقاربة الأمنية الموريتانية، كانت جيدة جدا، والجيش الموريتاني امتاز بمستوى عال جدا من المهنية والعلاقات الإيجابية مع السكان، عكس الجيوش الأخرى التي تعيث فسادا وإرهابا في القرى قتلا ونهبا واغتصابا.

أما الجيش الموريتاني فقد استطاع ضبط الحدود والقتال داخلها، وفي حالات نادرة جدا قاتل خارج حدوده في منطقتي حاسي سيدي وغابة واغادو.

واعتبره أن أساليبه محترمة وسياساته حكيمة، مبنية على ثقافة الاحترام.

وقد كانت الشعبوية هي الدافع الأساسي وراء القرارات التي اتخذتها بعض دول الساحل، وهي محاولة للتغطية على الفشل الأمني والضعف السياسي، وعموما فإن انهيار هذه الدول وتحولها من دول فاشلة إلى دول منهارة يمثل خطرا شديدا على موريتانيا.

وخصوصا مالي التي تمثل جارا صعبا لموريتانيا، وخصوصا أن هنالك مناطق تضيق جدا فيها الحدود بين مويتانيا والنيجر عبر الأراضي المالية، حيث لا يفصل أكثر من 800 كلم بين باسكنو تقريبا والحدود النيجرية.

وعموما فإن المتغير الأمني في المنطقة، وخصوصا جماعة الفولان الماسنيا، يمثل تحديا أمنيا خطيرا، ونرجو أن تظل موريتانيا قادرة على إبعاد هذا الخطر وتحييده

وعموما هنالك متغير خطير وهو تصاعد قوة الدولة الإسلامية/ داعش، التي تستقطب قوتها في منطقة المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا، وتقيم فيها جماعة كبيرة من قومية تولبي الفولانية المحاربة، وقد انسحب كثير منهم من جماعة ماسينا بقيادة آمادو كوفا، والتحقوا بجماعة الدولة الإسلامية.

ويمتاز هؤلاء بالشجاعة الهائلة والتدريب النوعي الذي تلقوه على أيدي مدربين شرسيين جدا من جماعة بوكو حرام.

ولذلك خشيتي أساسا من أن يتسرب بعض هؤلاء أو يتسللوا إلى موريتانيا، بفعل مستوى الشراسة التي يتحلون فيها.

وقد اطلعت على كثير من الفيديوهات التي بثتها الدولة الإسلامية لاقتحامها لثكنات ومؤسسات أمنية، حيث يواجهون بشجاعة وعنف شديد القوات الرسمية في هذه الدول، وتمددهم إلى حدود موريتانيا في غاية الخطورة، خصوصا أن جدار الحماية الفاصل بين النيجر وموريتانيا هو جدار منهار تماما.

موقع الفكر:  كيف تحافظ موريتانيا على أمنها في ظل الوضع الحالي لمنطقة الساحل؟

الدكتور المختار أوفى: نجاح الجيش الموريتاني الكبير والأساسي هو بسط الأمن بخطة أمنية محكمة، ولكن السؤال المطروح إلى أي حد يمكن أن نحفاظ على أمننا وسط هذا الركام من الدول الفاشلة، والحكومات المنهارة، هل يمكن أن نقاوم تأثير سيطرة إحدى الجماعات المسلحة على الحكم في إحدى هذه الدول المنهارة من حولنا.

موقع الفكر: هل سيقبل العالم بالوصول إلى هذه المرحلة؟

الدكتور المختار أوفى: حرب غزة أظهرت أن العالم فقط ينهض من أجل مصالحه، ويحمي مصالحه فقط لا أكثر، ولذلك هل منطقتنا تمثل مصلحة أساسية للغرب، بقدر الإجابة على هذا السؤال يمكن أن نتوقع موقف الغرب من الانهيار المتواصل

موقع الفكر: كيف تنجوا موريتانيا من  لعنة تدفق المهاجرين؟

الدكتور المختار أوفى: لا أحبذ تسميته باللعنة، بل بالمتغيرات الجديدة، والتي تنقل بلدا من الهامشية إلى الأولوية

ودون شك فإن الغاز الموريتاني يمثل أولوية بالنسبة لأوربا التي لا تحتاج توصيلات كبيرة في استيراد هذا الغاز

وفي نفس المجال فإن موريتانيا تمثل أولوية أيضا لأوروبا في مجال التصدي للهجرة، وهذا الاتفاق الأخير بين موريتانيا والاتحاد الأوربي يمثل نجاحا لرئيسة المفوضية الأوربية لتحقيق اختراق ما بعد أن أخفقت وانسحبت أغلب الرهانات الأوربية على المنطقة.

وعموما يمكن القول إن الاتفاق الجديد يمكن موريتانيا من استقطاب أو توطين المهاجرين الأفارقة، وهو ما يمثل الخطر التام الذي ينبغي أن يتصدى له الجميع، وهذا هو التخوف.

الأكيد أن الاتفاق السابق مع إسبانيا 2002، لا يتضمن أيضا بحال من الأحوال التوطين، وإنما يتضمن الإيواء السابق لمرحلة الترحيل، واستمرار اتفاق بهذا المجال يخدم موريتانيا.

أما العائد المالي فإن عقبة موريتانيا الأساسية هي القدرة على استيعاب القدرة المالية، وتسيير الموارد، وعموما إذا خلا هذا الاتفاق من توطين المهاجرين، فسيكون ضرره محدودا، وتتصاعد المخاوف إذا علمنا جفاء الغرب وعنجهيته وسعيه لطحن كل من لا ينفذ ما يريدونه.

وعموما الاتفاقية بشكل عام خطيرة جدا، وينبغي الحصول على المعلومات الدقيقة بشأنها.

موقع الفكر: ماذا عن دمج اللاجئين الأزوداويين في موريتانيا؟.

الدكتور المختار أوفى: دمج الأزواديين في موريتانيا ليس صعبا مقارنة مع دمج قوميات أخرى بعيدة جدا من البلاد هوية ولسانا وعلاقات، ولموريتانيا تجربة في دمج هؤلاء في التسعينيات، حيث تم تجنيسهم في عهد الرئيس السابق ولم يطرح أي مشكلة، وبالتالي لا مشكلة في احتضان واستضافة الفولان والطوارق والعرب الأزواديين.

الإشكال الأكبر في بعض المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، الذين لايوجد لهم امتداد في موريتانيا ولايتقاسمون مع سكانها نفس الثقافة.

موقع الفكر:  من وجهة نظركم ما المقاربة الأمثل في تشغيل الشباب؟

الدكتور المختار أوفى: المطلوب تكوين الشباب وليس تشغيلهم، والتكوين المهني في موريتانيا ربما لا يستوعب قرابة خمسين ألف شخصا، بينما يبتلع الفشل مئات الآلاف من الشباب الموريتانية

الحاجة الآن هي توجيه الشباب إلى المهن، وكل المهن مدرة للدخل، وخصوصا تلك التي تستخدم الوسائل والمصادر والمواد الأولية الموجودة في البلاد

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟

الدكتور المختار أوفى: تمتلك موريتانيا مؤهلات عز نظيرها، يؤسفني أو أخشى أن يصدق على بلادنا قول المتنبي:

ولم أر في عيوب الناس عيبا   كنقص القادرين على التمام.

والسلام عليكم ورحمة الله.