المسؤولية الجنائية للطبيب في جنحة الامتناع عن تقديم المساعدة على ضوء التشريع الجنائي الموريتاني""

أربعاء, 05/04/2023 - 12:16

الراصد: تمهيد:

يعتبر حق المريض في العلاج من أهم حقوق الإنسان؛ فكأنما أن للإنسان الحق في الحياة والحق في سلامة بدنه فله كذلك الحق في العلاج؛ وما دامت رسالة الطبيب التي يحملها تفرض عليه الالتزام بالعلاج وخدمة الصحة العمومية؛ فإن مهنة الطبيب النبيلة تحتم عليه تقديم العلاج لكل مريض في حالة خطر يتطلب تدخلا عاجلا؛ ولهذا أوجب المشرع الموريتاني على الطبيب تقديم المساعدة و العلاج لكل مريض في حالة خطر؛ وقد اتجهت مختلف التشريعات الحديثة إلى تجريم الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر وجعلته التزاما مفروضا سواء على الأطباء أو غيرهم من الأشخاص؛ حيث جعلت عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر جريمة معاقب عليها قانونا.

وعليه فإننا سنتطرق في هذه الدراسة للقواعد القانونية التي تنظم المسؤولية الجنائية للطبيب في حالة الامتناع عن تقديم المساعدة؛ وكذا حدود المسئولية الجنائية له عند قيام المسئولية عن عدم تقديم الإسعاف لشخص في حالة خطر؛ دون أن نغفل تلك الحالات الاستثنائية التي يعفى الطبيب فيها من المسؤولية الجنائية بسبب بعض الظروف الخاصة.

لذلك تثور إشكالية هذه الدارسة حول: ما مدى قيام المسئولية الجنائية للطبيب في حالة الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر؟

لتتفرع منها الأسئلة التالية:

كيف نظم المشرع الموريتاني المسئولية الجنائية للطبيب في حالة الامتناع عن تقديم المساعدة؟

وما هي الأحكام الخاصة للمسئولية الجنائية للطبيب في هذه الجنحة ؟

وما هي الآثار المترتبة على قيام المسئولية الجنائية للطبيب في حالة الامتناع عن تقديم المساعدة؟

اعتمدنا في هذه الدراسة على المنهج التحليلي حيث سيتم تحليل الأحكام الخاصة بالمسئولية الجنائية للطبيب في حالة الامتناع عن تقديم المساعدة والإسعاف لشخص في حالة خطر انطلاقا من النصوص القانونية الواردة في التشريع الموريتاني؛ مع الإجابة على تساؤلات الدراسة والرجوع إلى الدراسات السابقة والكتب والمراجع المتعلقة بهذا الموضوع.

بناء على هذا المنهج الذي اعتمدنا في دراسة وتحليل موضوع المسئولية الجنائية للطبيب في حالة الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر في التشريع الموريتاني؛ فإن معالجة الإشكالية الرئيسية والتساؤلات الفرعية المرتبطة بها ستكون وفق التصميم التالي:

المبحث الأول: الإطار القانوني للمسئولية الجنائية للطبيب

المبحث الثاني: الأحكام الخاصة بجريمة الامتناع عن تقديم المساعدة

 

 

المبحث الأول: الإطار القانوني للمسئولية الجنائية للطبيب

تعتبر مهنة الطب مهنة أخلاقية و نبيلة و هي من أسمى و أرقى الرسالات و أكثرها تطورا؛ لذلك يتعين على الطبيب أن يكون يقظا وواعيا و متبصرا

 فالطبيب بمثابة طوق النجاة لكل مريض يلجأ إليه، لذا يجب على الطبيب أن يبذل العناية الكاملة مستخدما أقصى مهاراته الفنية ومعارفه لرعاية المريض؛ كما يجب على الطبيب أن يرشد المريض إلى من يفوقه خبرة إذا لم يستطع أن يشخص المرض ويعالجه؛ وبالرغم من سمو مهنة الطب وعلو مقامها ونبل غايتها؛ إلا أن الطبيب قد يرتكب خطأ بسبب إهماله أو تقصيره أو عدم مراعاته للنظم والقوانين؛ وهو ما قد يسبب ضررا للمريض أو متلقي العلاج فيكون الطبيب عرضة للمساءلة الجنائية إذا كان هذا التصرف الذي قام به يدخل في دائرة الأفعال المجرمة[1]؛ وفي هذا الصدد نص المشرع الموريتاني على مجموعة من الأفعال المجرمة في القانون الجنائي يمكن أن يقوم بها الطبيب أثناء مزاولته لمهنته؛ ومن بين هذه الجرائم جريمة تزوير الشهادات الطبية وإفشاء السر المهني؛ وكذا جريمة الإجهاض و جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة وسنركز على هذه الجريمة الأخيرة باعتبارها موضوع دراستنا؛ حيث سنبين تلك الحالات التي يتعين فيها إحضار تسخير طبي في المطلب الأول؛ وكذا الحالات التي لا يتطلب فيها من المريض تقديم تسخير طبي؛ في المطلب الثاني.

المطلب الأول: الحالات التي يتعين فيها تقديم تسخير طبي

إن إخلال الشخص أو عدم امتثاله لنصوص القانون عن طريق قيامه بفعل مجرم أو امتناعه عن فعل يأمر به القانون يجعل مسئولية هذا الشخص قائمة؛ وبما أن الطبيب شخص طبيعي ليس معصوما من الخطأ فإنه قد يرتكب فعلا خطأ أو عن طريق العمد تترتب عليه بموجبه المسئولية الجنائية؛ فيجد نفسه معرضا للعقوبة الجنائية المحددة لهذا الفعل الذي ارتكب؛ وفي هذا الصدد نجد المشرع الموريتاني  قد حدد مجموعة من الحالات يتعين فيها إحضار تسخير طبي نظرا لخطورة حالتها ومحاولة حفظ النظام العام ؛ ومن بين هذه الحالات التي يتعين فيها إحضار تسخير طبي ما يلي:

  • حالة الوفاة المشتبه فيها ففي هذه الحالة يتعين إحضار تسخير طبي عن من المفوضية  المختصة إداريا بالمنطقة التي عثر فيها على حالة وفاة مشته فيها؛
  •  في حالة الجروح الناتجة عن اعتداءات أو شجار؛ فيتعين على ذوي الجريح أو مرافقوه تقديم تسخير طبي إذا كانت حالة الجريح غير خطيرة؛ لأن إسعاف الطبيب للجريح دون تسخير طبي من شأنه أن يشكل نوعا من مساعدة المتهم في الهروب كما أنه قد يعتبر  في بعض الأحيان تمالؤا بين الطبيب والجاني؛ فيساعد الطبيب الجاني في إخفاء آثار الجروح ؛ وهو ما يشكل نوعا من إخفاء أدلة الجرائم ومساعدة المجرمين في الهروب طبقا للمقتضيات المنصوص عليها في القانون الجنائي في المادة 55 والمادة 56.
  • حالة العثور على صبي ( لقيط ) يتعين على الشخص الذي يعثر على صبي أن يصرح به لدي المفوضية المختصة؛ وهو ما يستفاد من المقتضيات الواردة في  المادة 37 من قانون الحالة المدنية التي تنص على أنه: (( يلزم كل من عثر على وليد أن يبلغ به فورا ضابط الشرطة القضائية المختص ترابيا يبلغ ضابط الشرطة القضائية وكيل الجمهورية ويقدم الوليد إلى المنشأة الصحية المختصة ويحرر بذلك محضرا مفصلا يبين:
  •  ساعة؛ ويوم؛ وشهر؛ وسنة؛ ومكان العثور على الوليد؛
  • وظروف العثور
  • جنس الوليد؛....)) وكذلك المادة 325 من القانون الجنائي.
  •  حالة العثور على جريح : يتعين على الشخص الذي يعثر على جريح في وضعية مشتبه فيها أن يحضر تسخيرا طبيا من المفوضية المختصة؛ نلاحظ من خلال هذه الحالات التي يتعين فيها إحضار تسخير طبي أن الهدف من هذا الإجراء هو حماية حقوق الضحية في العلاج ومساعدة ضباط الشرطة القضائية في جمع أدلة الجرائم والمحافظة عليها؛ فضلا عن تسهيل العثور على المجرمين وتوقيفهم؛ ولهذا نص المشرع في المادة 56 من القانون الجنائي على أنه: (( يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 5000 إلى 200.000 أوقية أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من علم بارتكاب جريمة أو بمحاولتها ولم يخبر فورا السلطات  الإدارية و القضائية ما دام بالإمكان تفاديها أو الحد من آثارها....)).

كما نص المشرع في المادة 48 من قانون الإجراءات الجنائية الموريتانية على أنه: (( يمنع على كل شخص غير مؤهل قانونا أن يغير حالة المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة أو أن يزيل منه أي شيء قبل القيام بالعمليات الأولية للبحث القضائي.....؛ وإذا كان طمس الآثار وإزالة الأشياء  وقع لتعطيل سير القضاء فإن العقوبة تكون الحبس من ثلاثة أشهر إلى  ثلاث سنوات والغرامة من ستين ألفا (60.000) إلى  مأتي ألف (200.000) أوقية)).

المطلب الثاني: الحالات التي لا تتطلب تسخيرا طبيا

  بعدما تم الحديث في المطلب الأول عن الوضعيات التي يتعين فيها على ذوي المريض تقديم تسخير طبي ليستفيد من حقه في العلاج كما رأينا آنفا؛ فإن القاعدة العامة أن المريض لا يحتاج إحضار تسخير طبي من المفوضية المختصة إلا في حالات خاصة؛ نظرا لما يلابس تلك الوضعيات من الخطورة وسعيا من المشرع إلى حماية حقوق الضحية في الاستفادة من العلاج ومساعدة ضباط الشرطة القضائية في تأدية مهامهم على الوجه المطلوب؛ ومن بين تلك الوضعيات التي لا تتطلب تسخيرا طبيا ما يلي:

  • وجود حالة مستعجلة تتطلب تدخلا فوريا لإنقاذ حياة الشخص

إن وجود المريض في حالة مستعجلة يعفيه من ضرورة إحضار تسخير طبي؛ ويكون الطبيب ملزما في هذه الحالة بتقديم الإسعاف والعلاج اللازم للمريض؛ وفي حالة امتناعه عن تقديم العلاج والإسعاف الضروري للمريض يكون الطبيب قد ارتكب جنحة الامتناع عن تقديم المساعدة للغير في حالة خطر طبقا لما نص عليه المشرع الموريتاني في الفقرة الثانية من المادة 57 من القانون الجنائي.

  • حالات المرض العادية

تعتبر حالات المرض العادية من بين الحالات التي لا تتطلب تسخيرا طبيا نظرا لكونها أعراض خاصة تعتري الشخص و ليست لها علاقة بإثبات جرائم أخرى؛ كما أنها لا يرتبط بها توقيف مجرمين أو إثبات وقائع معينة.

جدير بالذكر أن الطبيب يمكن أن يتابع بوصفه شريكا أو مساهما في حالة عدم مراعاته لهذه المقتضيات؛ وهو ما يستفاد من نص المادة 55 من القانون الجنائي التي تنص علي أنه: (( ...؛ يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 5000 إلى 200.000 أوقية أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من أخفى عن قصد شخصا يعلم أنه ارتكب جناية وأن العدالة تبحث عنه بهذا الصدد أو أنقذ أو حاول أن ينقذ الجاني من الإيقاف أو البحث أو ساعده على الإخفاء أو الهرب...))  

المبحث الثاني: الأحكام الخاصة بجريمة الامتناع عن تقديم المساعدة

سيتم الحديث عن الأحكام الخاصة بجريمة الامتناع عن تقديم المساعدة من حيث أركانها في المطلب الأول؛ في حين سيتم الحديث عن الجزاءات المترتبة على جنحة عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر في المطلب الثاني 

 المطلب الأول: أركان جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة

تعتبر جريمة امتناع الطبيب عن تقديم المساعدة من الجرائم العمديه؛ ويتطلب القانون توافر بعض الأركان الخاصة بها وهي كالتالي:

الركن القانوني :

بالرجوع إلى المقتضيات الواردة في المادة 57 من القانون الجنائي نجد المشرع الموريتاني نص على جريمة عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر وحدد العقوبات المقررة لها في المادة أعلاه حيث نص على أنه: (( يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 5000 إلى 200.000 أوقية أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من كان بإمكانه أن يمنع بعمل فوري لا يسبب له ولا للغير خطرا واقعة موصوفة بأنها جناية أو جنحة أو جنحة ضد السلامة البدنية لشخص ....)).

الركن المادي :

يقوم الركن المادي في جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة على  ثلاثة عناصر وهي كالتالي:  

العنصر الأول: وجود الشخص في حالة خطر

يقصد بالشخص في هذا المجال كل إنسان على قيد الحياة ولو كان فاقدا للإدراك والتمييز؛ أما فيما يتعلق بحالة الخطر فقد كان القضاء الفرنسي في بداية الأمر يحدد الخطر بكون الشخص في خطر حقيقي وثابت؛ إلا أنه عدل عن هذا المعيار في تحديد مفهوم الخطر؛ واعتبر الخطأ الذي تترتب عليه المسئولية الجنائية للطبيب بسبب جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة هو ذلك الخطر الحال والثابت الذي يتطلب تدخلا مباشرا من الطبيب.

العنصر الثاني: إمكانية تقديم المساعدة والنكول عنها

إن  التزام الطبيب بتقديم المساعدة واجب عليه إذا كان الشخص في خطر بغض النظر عن نوعية الخطر ؛ فإذا امتنع الطبيب عن تقديم المساعدة في هذه الحالة اعتبر مرتكبا لجريمة الامتناع عن تقديم المساعدة[2] إذا كان هذا الامتناع وقع بشكل اختياري[3].

العنصر الثالث: أن يكون الطبيب بإمكانه تقديم المساعدة دون وقوع خطر

يتميز هذا العنصر بأهمية خاصة دون غيره من عناصر الركن المادي لجريمة عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر لأن وجود هذا العنصر يجعل الشخص ( الطبيب) غير ملزم بتقديم المساعدة؛ بينما إذا لم يتوفر هذا العنصر- إمكانية تقديم المساعدة دون خطر-  يكون الطبيب مسئولا جنائيا بسبب عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر؛ طبقا لما ينص عليه المشرع الموريتاني في المادة 57 من القانون الجنائي الموريتاني حيث نص على أنه: (( يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 5000 إلى 200.000 أوقية أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من كان بإمكانه أن يمنع بعمل فوري لا يسبب له ولا للغير خطرا واقعة موصوفة بأنها جناية أو جنحة أو جنحة ضد السلامة البدنية لشخص ....))؛ الأمر الذي يعني أن الطبيب لا يكون مسئولا جنائيا إذا كان هناك خطر عليه أو على الغير طبقا لما تنص عليه المادة أعلاه؛ فعلا سبيل المثال الشخص الذي يشاهد شخصا يغرق ويعلم أن محاولة إنقاذ هذا الغريق تشكل له خطرا بسبب عدم إجادته للسباحة لا يكون مسئولا جنائيا عن جنحة عدم تقديم المساعدة والإسعاف لشخص في حالة خطر؛ لأن هذا الإنقاذ  يشكل خطرا عليه؛ أما إذا كان بمقدوره إسعاف هذا الشخص دون أيشكل ذلك خطرا عليه وتقديم المساعدة له حتى لا يغرق يكون الشخص مسئولا جنائيا بسبب ارتكابه لجنحة عدم تقديم المساعدة للغير في حالة خطر؛ غير أن الشخص يتعين عليه أن يطلب المساعدة من الغير لهذا الشخص ما دام ليس هناك خطر يحيق به أو بالغير؛ حتى لا تترتب عليه المسئولية الجنائية ؛ مما يعني أن انعدام الخطر هو شرط قيام جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة[4].

الركن المعنوي:

إن جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة من الجرائم العمدية التي لا يعاقب عليها القانون إلا إذا وقعت عمدا مع علم المتهم بالخطر وامتناعه الإرادي عن تقديم المساعدة؛ ولا يشترط القانون في هذه الجريمة قصد خاص إلى جانب القصد العام[5]؛  وإنما يكفي علم المتهم بوجود الشخص في خطر وامتناعه عن تقديم المساعدة.

الأمر الذي يعني أن الركن المعنوي في هذه الجريمة يقوم على عنصرين؛ يتعلق الأول منهما بالعلم بالخطر؛ ويقصد به في هذا الصدد علم الطبيب بوجود خطر حال؛ مع العلم أنه لا يشترط شكلا معينا لعلم الطبيب أن هذا الشخص يحتاج الإسعاف وتقديم العلاج؛ بل يكفي أن يكون الطبيب علم ذلك من خلال خبرته الفنية المستمدة من طبيعة العمل أو التخصص.

 أما العنصر الثاني فيتعلق بإرادة الطبيب في تعمد الامتناع عن تقديم المساعدة أو طلب المساعدة من الغير؛ ويظهر ذلك من خلال ملابسات وظروف كل حادثة فعلى سبيل المثال امتناع الطبيب عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر دون سبب وجيه؛ يعد دليلا على إرادة الطبيب في عدم المساعدة أو طلب المساعدة من الغير[6].

المطلب الثاني: الجزاءات المترتبة على جنحة عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر

إن الطبيب بحكم مهنته النبيلة وإنسانيته لا يتصور فيه أن يترك أي شخص في حالة خطر دون أن يعالجه ويقدم له الإسعافات الطبية اللازمة والتي من شأنها أن تشفي المريض وتبقيه على قيد الحياة ما دام يستطيع فعلا ذلك ودون أن يشكل خطرا عليه أو للغير؛ إلا أن الطبيب إذا كان بإمكانه إسعاف المريض أو طلب المساعدة له وامتنع عن إسعاف المريض وتقديم المساعدة له بمحض إرادته[7]؛ ولم يطلب الإعانة للمريض من الغير؛ وكانت المساعدة لا تشكل خطرا على الطبيب أو على الغير أصبح مرتكبا لجنحة عدم تقديم المساعدة للشخص وهو في حالة خطر طبقا لما أشار له  المشرع الموريتاني في المادة 57 من القانون الجنائي؛ وفي هذا الصدد سنتطرق للحالة التي يعفي فيها الطبيب من المسؤولية الجنائية في الفقرة الأولى؛ لنتطرق في الفقرة الثانية للآثار المترتبة على قيام المسؤولية الجنائية للطبيب.

 

 

الفقرة الأولى: حالة إعفاء الطبيب من المسئولية الجنائية

تقوم المسؤولية الجنائية للطبيب في الحالات التي يرتكب فيها أخطاء أو جرائم طبية؛ إلا أنه يعفى من المسئولية الجنائية في حالة وجود أسباب خارج عن إرادته كحالة الضرورة والقوة القاهرة؛ وسنركز على حالة القوة القاهرة أو الحدث الفجائي[8] لارتباطها بموضوع هذه الدراسة

يقصد بالقوة القاهرة الظواهر الطبيعية  التي لا دخل للإنسان فيها كالفيضانات والهزات الأرضية[9] وتتميز هذه الظواهر أنها أحداث فجائية ولا يمكن ردها؛ ففي هذه الحالات التي يعجز فيها الطبيب عن تقديم المساعدة للمريض أو طلب الغير ليقدم للمريض الإسعافات الضرورية نظرا لوجود أسباب خارجة عن إرادته[10]؛ فإن الطبيب يعفى من المسئولية الجنائية؛ وهو ما يستفاد من المقتضيات الواردة في المادة 58 من القانون الجنائي الموريتاني.

 الفقرة الثانية: الآثار المترتبة على قيام المسؤولية الجنائية للطبيب

 أن أي طبيب أو أي مصحة أو مستشفى يمتنع عن إسعاف مريض أو شخص في حالة خطر كالشخص المصاب بنزيف أو أعراض مرضية حادة يعتبر مخلا بالتزام قانوني وواجب إنساني؛ وبالتالي تطبق عليه العقوبات المقررة  لمن يرتكب هذه الجنحة طبقا لما أشار له المشرع الموريتاني في المادة 57 من القانون الجنائي حيث نص على أنه (( يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 5000 إلى 200.000 أوقية أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من كان بإمكانه أن يمنع بعمل فوري لا يسبب له ولا للغير خطرا واقعة موصوفة بأنها جناية أو جنحة أو جنحة ضد السلامة البدنية لشخص ....؛

يعاقب بنفس العقوبات كل من يمتنع عمدا عن تقديم مساعدة إما بفعله الشخصي أو بطلب الإسعاف لشخص في حالة خطر دون أن يشكل ذلك خطرا عليه أو على الغير ...)).

الخاتمة:

يتضح مما تقدم أن امتناع الطبيب عن علاج المريض يعتبر صورة من صور جريمة عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر؛ كما أن امتناع الطبيب عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر يدخل في إطار الجرائم الواقعة بالترك ويعاقب عليها في القوانين الجنائية.

ومن خلال دراستنا لهذا الموضوع توصلنا لمجموعة من النتائج( أولا) وقد أشفعنها ببعض الاقتراحات ثانيا.

أولا: النتائج

  • يعد الطبيب الممتنع عن تقديم الإسعاف مخلا بواجبه المهني المتمثل في العناية بالمريض وعلاجه؛ فالمريض له الحق في العلاج خاصة في حالة الضرورة والاستعجال، لأن حالة الاستعجال والخطر لا تتيح المجال للطبيب بالتردد في قبول إسعاف المريض وعلاجه من عدمه.  
  • جريمة الامتناع عن تقديم الإسعاف (المساعدة) لشخص في حالة خطر تعتبر صورة من صور جرائم الامتناع وهي جنحة في التشريع الموريتاني؛ مع العلم أنه في غالب الأحيان يترتب على ارتكاب هذه الجنحة ( جنحة عدم تقديم المساعدة) وفاة المريض أو إصابته بعاهة مستديمة.
  • لا يعاقب الطبيب على الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر إلا إذا كان صدر منه هذا الامتناع عن علم وإرادة
  • عدم كفاية النصوص الجنائية المتعلقة بجرائم الامتناع بشكل عام وخاصة جريمة الامتناع عن إسعاف الشخص وهو في حالة خطر؛ لأن المادة وردت فيها بعض المقتضيات العامة؛ ولا تتناسب مع المهن الطبية وخصوصيتها.

ثانيا: الاقتراحات

  • استحداث نصوص قانونية خاصة تتعلق بجريمة الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر.
  • إعداد دليل طبي موحد للإجراءات الطبية المتعارف عليها دوليا؛ وتكوين الأطباء عليه من خلال دورات تعليمية في المؤسسات الصحية العمومية والخصوصية.
  • تشديد العقوبات الخاصة بجنحة الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر؛ وخاصة في المجال الطبي؛ لأنه في غالب الأحيان يودي الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر إلى  وفاة المريض أو إصابته بعاهة.

 

محمد عبد الرحمن  أحمدو  ولد أبُّ

 طالب باحث في سلك الدكتوراه

جامعة ابن زهر  - أكادير – المملكة المغربية