تيارات حرقة قلب هذه الأم المكلومة صعقت ضمائر الأحرار

أربعاء, 31/05/2023 - 09:51

الراصد/ عزيزه البرناوي: صاحت هذه الثكلى بوجه أنثى تنين هادرة، تخترق دعواتها حجب الملكوت شهبا مستعرة ليس بينها وبين الله حجاب، لا معتصم ينجدها، وليس لها حسابات تعيدها، نطقت بشظايا فؤادها المنفطر و أشلاء روحها المهشمة، فمراكب صبرها ابتلعها للتو إعصار الفاجعة بين غمضة وجع و انتباهته. 

خاضت معركتها الشخصية ضد الجوع بين صقيع وسعير الفاقة منذ نعومة خدها، لاشك أنها بأرت الحجر و حفرت الشجر و مضغت الجمر وشبعت من إذلال البشر في سبيل إطعام ثمرات أحشائها الطاهرة، ظلت كغيرها من المجاهدات الجائعات الصامدات المرابطات على ثغور الحيف في صحن الوطن القاحل ترسم ابتسامة الرضا الكاذب على وجهها المنهك بجراحات الزمن و تراكمات العصور. 

لكن أطياف الآمال المتجددة و أشباح الأحلام المجهضة ظلت تتناسل في خرابات نفسها ملونة رمادية بؤسها بخيوط الوهم، ربما كانت ترسم بطباشير العدم خيولا لفقيدها على جدران زنزانة العمر تحمله صهواتها إلى سهول الحياة.. ربما وفرت من عيدان عريشها رزمة لتشييد عش أحفادها المنتظرين.. ربما تمنت اليوم هجرة يسيرة لفقيدها وهي تستمع إلى حكايات الجدار و طريق المكسيك و تلمست طوق عنقها المكون من قطع عمرها و حبات عرقها و ثمن صبرها المتراكم التليد، وتخيلت للحظات حياتها بعد طلاء الرخاء المستحيل! ربما .. ربما.. ربما!

الأكيد أن تيارات حرقة قلبها صعقت ضمائر الأحرار بفرق جهد عنيف، أدمى كل كسور القلب المضمدة بخيوط الوهن و العجز، لاشك أن لهب عذابها أذاب أختام الشمع و أشرع أبواب الحقيقة المؤلمة، أمام عيون المستغشين ثياب التحريف و الإنكار.. لقد خزن التاريخ صورة اليوم بألوان زيتية نارية خالدة وبصوت محاربة ثكلت جنديها الوحيد في ساحة القنص الجائرة: “عيطت اعليه اعماره ژَدفتُ صبت امصارينو” جملة ثقيلة على ميزان الحق يوم تبلى السرائر و تحاسب كل نفس بما كسبت. 

صادق العزاء لأم الفقيد و للشعب الموريتاني كافة و للإنسانية في كل مكان وزمان وتغمد الله الضحايا بواسع رحمته.